الخميس 09 / شوّال / 1445 - 18 / أبريل 2024
(7) من قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الآية:192 إلى آخر السورة
تاريخ النشر: ٢٧ / شوّال / ١٤٣١
التحميل: 8678
مرات الإستماع: 33553

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد:

قال ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ ۝ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۝ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [سورة الشعراء:192-195].

يقول تعالى مخبرًا عن الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله محمد ﷺ: وَإِنَّهُ أي: القرآن الذي تقدم ذكره في أول السورة في قوله: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ [سورة الشعراء:5] الآية، لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي: أنزله الله عليك وأوحاه إليك.

نزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ وهو جبريل ، قاله غير واحد من السلف: ابن عباس، ومحمد بن كعب، وقتادة، وعطية العوفي، والسدي، والضحاك، والزهري، وابن جريج، وهذا ما لا نزاع فيه.

قال الزهري: وهذه كقوله: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مصدقًا لما بين يديه الآية [سورة البقرة:97]، عَلَى قَلْبِكَ يا محمد، سالمًا من الدنس والزيادة والنقص؛ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ أي: لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه، وتبشر به المؤمنين المتبعين له.

وقوله: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ أي: هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أنزلناه بلسانك العربي الفصيح الكامل الشامل، ليكون بيِّنًا واضحًا ظاهرًا، قاطعًا للعذر، مقيمًا للحجة، دليلًا إلى المحجة.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى- في هذه الآية الكريمة: وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الضمير هنا عائد إلى القرآن بلا إشكال، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: وَإِنَّهُ أي: القرآن الذي تقدم ذكره في أول السورة في قوله: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ، بمعنى أن الضمير يعود إلى القرآن المذكور في أول السورة.

وبعض أهل العلم يقول: إن الضمير هنا يعود إلى القرآن، ولكنه يعود إلى غير مذكور وإنما يفهم من السياق، وهذا موجودٌ له نظائر في كتاب الله -تبارك وتعالى، كقوله -تبارك وتعالى: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ۝ رُدُّوهَا عَلَيَّ [سورة ص:32، 33]، فعلى القول بأن المقصود بقوله: حَتَّى تَوَارَتْ يعني: الشمس، الشمس ليس لها ذكر، فالضمير عائد إلى غير مذكور يفهم من السياق، وإن لم يكن محل اتفاق في هذه الآية أن المراد الشمس فإن بعضهم يقول: حَتَّى تَوَارَتْ أي: الخيل، يعني غابت عن نظره أبعدت في السير، فلا يكون فيه شاهد هنا، وأمثلة هذا كثيرة لا إشكال فيها.

وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي: أنزله عليك وأوحاه إليك.

قال: نزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ، وهو جبريل، وهي قراءة حفص ونافع وابن كثير وأبي عمرو، وقرأ بقية السبعة: نزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الأمِين، وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَنزَّلَ أي: رب العالمين بِهِ الرُّوحَ الأمِين نزَّل به جبريل -عليه الصلاة والسلام، فيكون جبريل -عليه الصلاة والسلام- الروح الأمين منزّلًا من الله أنزله الله بهذا الوحي، بهذا القرآن، فيكون في محل نصب مفعول به، على هذه القراءة، والقراءة هذه التي نقرأ به نزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ، نزل به جبريل من عند الله -تبارك وتعالى، قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ [سورة البقرة:97].

وقوله -تبارك وتعالى: عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، كما قال الله -تبارك وتعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [سورة الفرقان:1]، قال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ، أي: واضح، كما قال الله -تبارك وتعالى: لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [سورة فصلت:44]، فهذا القرآن امتن الله -تبارك وتعالى- على هذه الأمة بإنزاله بهذا اللسان العربي البين الواضح الميسر، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [سورة القمر:17].

وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ۝ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلـَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ۝ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ۝ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ [سورة الشعراء:196-199].

يقول تعالى: وإنَّ ذِكْر هذا القرآن والتنويه به لموجود في كتب الأولين المأثورة عن أنبيائهم، الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه، كما أخذ الله عليهم الميثاق بذلك، حتى قام آخرهم خطيبًا في ملئه بالبشارة بأحمد: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيـْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [سورة الصف:6].

والزُّبُر هاهنا هي الكتب وهي جمع زَبُور، وكذلك الزبور وهو كتاب داود، وقال تعالى: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ [سورة القمر:52] أي: مكتوب عليهم في صحف الملائكة.

قوله -تبارك وتعالى- هنا: وَإِنَّهُ الضمير فيما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا يرجع إلى القرآن، وهو اختيار أبي جعفر بن جرير -رحمه الله تعالى، وَإِنَّهُ أي: القرآن، لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- وسبقه إلى ذلك ابن جرير وجماعة من السلف يقولون: وَإِنَّهُ أي: القرآن، أي أن القرآن مذكور في كتب الأولين، يعني جاء التنويه به وجاء ذكره في كتبهم.

ومن أهل العلم من يقول: المراد وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أي: ما تضمنه من الأحكام والهدايات مضمن في كتب الأولين، وبعضهم يقول: إن الضمير يرجع إلى النبي ﷺ، وَإِنَّهُ أي: النبي ﷺ، وهذا لا يخلو من بعد، والأقرب -والله تعالى أعلم: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ يعني: ذكر القرآن، فالله -تبارك وتعالى- يحتج عليهم بهذا، فهم يعرفون؛ ولهذا قال الله -تبارك وتعالى: أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ، فليس المقصود ما تضمنه من الهدايات والأحكام، لاسيما أن هذا القرآن قد حوى من الهدايات والأحكام ما لا يوجد في كتب السابقين؛ لأن هذه الشريعة هي بمنزلة الشرائع المتعددة، وقد جعلها خاتمة الشرائع، فما يوجد في كتاب الله -تبارك وتعالى- من هدايات أعظم وأوسع وأكثر مما يوجد في الكتب السابقة.

هذه الشريعة هي بمنزلة الشرائع المتعددة، وقد جعلها خاتمة الشرائع، فما يوجد في كتاب الله -تبارك وتعالى- من هدايات أعظم وأوسع وأكثر مما يوجد في الكتب السابقة.

ثم قال تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أي: أوليس يكفيهم من الشاهد الصادق على ذلك أن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي يدرسونها؟ والمراد: العدول منهم، الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمد ﷺ ومبعثه وأمته، كما أخبر بذلك مَنْ آمن منهم كعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي عَمَّنْ أدركه منهم ومَنْ شاكلهم، وقال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ الآية [سورة الأعراف:157].

أي باعتبار أن سلمان الفارسي -رضي الله تعالى عنه- تحول من المجوسية إلى دين أهل الكتاب، وصار له علم ومعرفة وإيمان، وكان يتتبع خيار من بقي منهم، كما هو معلوم في قصته، وخبر إسلامه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فقوله -تبارك وتعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قال: أي العدول منهم؛ لأن غير العدول لا يعترفون بهذا كما في قوله -تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلًا [سورة النساء:51]، فهذه نازلة في بعض أحبار اليهود لما ذهبوا إلى مكة وحرضوا المشركين على قتال النبي ﷺ، وسألهم المشركون: نحن أهدى أم محمد ﷺ؟ فقالوا: بل أنتم أهدى من محمد، وسجدوا لآلهة المشركين، فهؤلاء أمثال كعب بن الأشرف وحيي بن الأخطب وأمثال هؤلاء من الكذبة لا يعترفون بذلك.

ثم قال تعالى مخبرًا عن شدة كفر قريش وعنادهم لهذا القرآن أنه لو أنزله على رجل من الأعاجم...

قوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ استدل بها من قال: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أي: النبي ﷺ، فيحتج بهذه الآية، والحاصل أن النبي ﷺ مذكور في كتب الأولين، كما تدل هذه الآية صراحة، لكن الآية التي في سورة الشعراء وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ هي في القرآن؛ لأن السياق يدل على ذلك، السياق في القرآن وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ يعني: القرآن، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ۝ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ۝ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ.

وسبب الترجيح في هذا هو القاعدة التي ذكرتها في مناسبات شتى: أن توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها، يعني السياق كله في القرآن، وَإِنَّهُ أي: القرآن، لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نزلَ بِهِ الرُّوحُ أي: القرآن نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ ۝ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۝ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ كل هذا في القرآن، ثم قال: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يعني وَإِنَّهُ أي: القرآن، قال: أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ يعني: القرآن، قال: وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ أي: القرآن، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم أي: القرآن، كل الضمائر في القرآن، والقاعدة: أن توحيد مرجع الضمائر يعني كون الضمائر جميعًا ترجع إلى شيء واحد أولى من تفريقها بأن يقال: هذا يرجع إلى كذا، وهذا يرجع إلى كذا، هذا هو سبب ترجيح هذا القول: أن المقصود به القرآن، وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ.

وأما الآية الأخرى قال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ [سورة الأعراف:157] فيعني: الرسول النبي الأمي، فالنبي ﷺ مذكور في كتبهم والقرآن أيضًا مذكور في كتبهم، وآية الشعراء دلت على أن القرآن له ذكر في كتب الأولين، ولا تحمل هذه الآية على غير ذلك، والله تعالى أعلم.

ثم قال تعالى مخبرًا عن شدة كفر قريش وعنادهم لهذا القرآن أنه لو أنزله على رجل من الأعاجم مِمَّنْ لا يدري من العربية كلمة، وأنزل عليه هذا الكتاب ببيانه وفصاحته، لا يؤمنون به؛ ولهذا قال: وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ ۝ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ، كما أخبر عنهم في الآية الأخرى: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [سورة الحجر:14، 15]، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شـَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [سورة الأنعام:111]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ...الآية، [سورة يونس:96، 97].

كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله: أن القرآن لو نزل على رجل أعجمي لا يعرف من العربية حرفًا فقرأه عليهم بهذا اللسان العربي المبين الفصيح غاية الفصاحة فإنهم لا يؤمنون، بمعنى: أنه لو نزل بهذه الصفة على رجل أعجمي لا يعرف العربية فانفتق لسانه بالعربية بهذا القرآن، هذه آية عظيمة جدًا، كيف يكون هذا القرآن بهذه الفصاحة وينطق به من لا يعرف العربية أصلًا؟! يقول: ومع ذلك فإنهم لا يؤمنون؛ لأنهم أهل مكابرة، ثم استشهد الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بالآيات الأخرى التي تدل على مكابرتهم وعنادهم، وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا، يعرجون هم، يصعدون أو يرون الملائكة تصعد، على القول الآخر، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا، وفي القراءة الأخرى: سُكِرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ يعني يقولون: سُحرنا، يخيل إلينا، هذا كله لمكابرتهم، فالله قد ختم على قلوبهم، إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:96، 97]، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا، هذا على المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله.

وظاهر كلام ابن جرير -رحمه الله- وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ يعني: أنه لو نزل على بعض البهائم، باعتبار أن الأعجم هو البهيم الذي لا يتكلم ولا ينطق، عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ، كأنه يقول: إن الأعجمي لو كان مرادًا هنا لقيل: ولو نزلناه على بعض الأعجميين، يعني الأعاجم، أما الذي لا يعقل فيقال: أعجم وأعجمون، وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ، هذا ظاهر كلام ابن جرير -رحمه الله، وما ذكره ابن كثير -رحمه الله- لعله أقرب أنه لو نزل على بعض الأعجمين أي: الأعاجم الذين لا يعرفون العربية.

وكثير من أهل العلم يفرقون بين الأعجمي والعجمي، فيقولون: إن العجمي من كان أصله من العجم، غير العرب، كل من ليس عربيًا فهو عجمي باعتبار الأصل، ولو كان يعرف العربية، ولو كان فصيح اللسان، فالعجمي قد يتعلم العربية، وقد ينشأ، قد يكون عجمي الأصل ولكنه عربي النشأة واللسان، وقد يتكلم العجمي بالعربية أفضل مما يتكلم به بعض أهلها، وبعض علماء اللغة كانوا من الأعاجم أو من العجم، فهؤلاء يقولون: إن العجمي من كان أصله من غير العرب.

وأما الأعجمي فهي عجمة اللسان، سواء كان أصله من العرب أو كان أصله من العجم، فالعجمي باعتبار الأصل، والأعجمي باعتبار اللسان، وهنا قال: وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ يعني: عجمة اللسان، وهذا هو المقصود لا الأصل، فهو لا يحسن العربية ولو كان أصله من العرب.

ومن أهل العلم من لا يفرق بين العجمي والأعجمي ويرى أنهما واحد، فهذا المعنى الذي ذكره ابن كثير -رحمه الله: أنه لو نزل على من لا يعرف العربية -وفي هذا آية عظيمة- لبقوا على مكابرتهم وعنادهم، ولم يؤمنوا.

ومن أهل العلم من يقول: وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ أي: باللغة العجمية، بلغة غير اللغة العربية فإنهم يحتجون عند ذلك ويقولون: أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [سورة فصلت:44] يعني: كيف نُخاطَب بما لا نفهم ولا نعرف، لماذا لم نخاطب بلساننا ولغتنا؟ والله -تبارك وتعالى- ما أرسل من رسول إلا بلسان قومه، وبين علة ذلك قال: لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [سورة إبراهيم:4]، فالبيان لا يحصل إلا بهذا، والحجة قائمة عليهم ببعث هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم، من الأميين ليكون مشاكلًا لأحوالهم، ويسهل عليهم التلقي منه، والفهم، ولهذا قال الله -تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ [سورة الجمعة:2]، وذكر هذا على سبيل الامتنان، هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ.

فالحاصل أن هذه الأقوال تحتملها الآية، ولكن الأقرب -والله تعالى أعلم- هو ما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى، ولو قال قائل: إن هذه الأقوال يمكن أن تجتمع تحت هذه الآية باعتبار أن الله -تبارك وتعالى- يذكر عنادهم في كل الحالات، وسواء نزل هذا القرآن على العربي الفصيح، أو على من لا يعرف العربية فإنهم لا يؤمنون، أو نطق من ليس من خواصه النطق؛ لأن النطق مختص بالإنسان، أو كان نزل بلغة غير لغة العرب فإنهم يبقون على عنادهم في الحالات كلها فلا يؤمنون، لو قال قائل مثل هذا فقد يكون له وجه من النظر، والله أعلم.

قال تعالى: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ۝ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الـْعَذَابَ الألِيمَ ۝ فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ۝ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ۝ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ۝ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ۝ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ۝ مَا أَغْنَى عَنـْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ۝ وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ ۝ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ [سورة الشعراء:200-209].

يقول تعالى: كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد، أي: أدخلناه في قلوب المجرمين.

لا يُؤْمِنُونَ بِهِ أي: بالحق حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ أي: حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.

قوله: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، على قول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا وهو اختيار ابن جرير، كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ أي: أدخلناه، فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ يعني: سلكنا التكذيب والكفر، أدخلنا التكذيب والكفر في قلوب المجرمين، فيكون الضمير هنا عائدًا إلى غير مذكور، هذا مثال آخر على عودة الضمير إلى غير مذكور، على هذا القول، كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ۝ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ لا يؤمنون به، كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ أي: التكذيب والكفر.

وبعض أهل العلم يقول: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ أي: القرآن، فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، لمّا بيّن فصاحته وأنه بلسان عربي مبين، قال: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ أي: القرآن، فالضمير أيضًا عائد إلى القرآن، فتوحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها، كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ أي: القرآن فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، يكون المعنى سَلَكْنَاهُ أي: أدخلناه، بمعنى لمّا قال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ففهمه هؤلاء وعقلوا معناه، وعرفوا مقاصده؛ لأنهم خوطبوا بلغتهم، كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ أي: القرآن، فبعد أن فهموا حصل منهم التكذيب والكفر، كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ أي: القرآن، بمعنى أنهم فهموه وعقلوا معناه ولكنهم كفروا بعد هذا الفهم والعلم، عرفوا فصاحته وإعجازه ومع ذلك كذبوا.

وهذا المعنى هو الذي ذهب إليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان، ويساعد عليه قاعدة توحيد مرجع الضمائر، الحديث كله عن القرآن، كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ، لكن القول الآخر ليس بمستبعد أيضًا باعتبار أن المقصود التكذيب والجحود، فإن الآيات التي تدل على أن الله -تبارك وتعالى- يوفق من شاء للهدى، ويضل من يشاء كثيرة جدًا، وقد قال الله -تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [سورة التغابن:2] على أحد الأقوال في معنى الآية، خلقكم فـ، "الفاء" تدل على التعقيب المباشر.

فعلى أحد الأقوال في الآية خَلَقَكُمْ هكذا، فريق للجنة وفريق للسعير، ويدل على ذلك حديث الملَك، حديث الصادق المصدوق لمّا يبلغ الجنين أربعة أشهر يأتيه الملَك، يُبعث إليه الملك، ويؤمر بأربع كلمات ومنها شقي أو سعيد، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:96، 97].

فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً أي: عذاب الله بغتة، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ۝ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ؟ أي: يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أُنظروا قليلا ليعملوا في فزعهم بطاعة الله، كما قال تعالى: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ إلى قوله: مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ [سورة إبراهيم:44]، فكل ظالم وفاجر وكافر إذا شاهد عقوبته، ندم ندمًا شديدًا، هذا فرعون لما دعا عليه الكليم بقوله: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إلى قوله: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا، فأثرت هذه الدعوة في فرعون، فما آمن حتى رأى العذاب الأليم، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، إلى قوله: وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [سورة يونس:90، 91]، وقال: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ الآيات.

هذا كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أن هؤلاء لا يؤمنون حتى يأتيهم العذاب فيتمنون الرجعة، وهل هذا في الدنيا أو المقصود به عذاب الآخرة؟ ظاهر هذه الآيات أن ذلك في الدنيا للشواهد التي ذكرها.

وعلى هذا جرى عامة أهل العلم، وإليه ذهب ابن جرير -رحمه الله، وقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا في قوله: فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ قال: أي يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أُنظروا قليلًا ليعملوا، هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ الاستفهام هنا بمعنى التمني، يدل على التمني، هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ، ولهذا فسرها ابن كثير -رحمه الله- بهذا، قال: يتمنون، بهذا الاعتبار، "هل" استفهامية، أداة استفهام، فهي هنا يراد بها التمني هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ، فهم لا يتساءلون هل يُنظرون أو لا؟ يعني ليس المقصود به مجرد الاستفهام، وإنما يطلبون ذلك ويتمنونه.

وقوله تعالى: أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ إنكار عليهم، وتهديد لهم؛ فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيبًا واستبعادًا: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ [سورة العنكبوت:29]، كما قال تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ الآيات، [سورة العنكبوت:53].

هم يقصدون بهذا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ يعني: الذي تعدنا به، كما حصل للأمم المكذبة.

ثم قال: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ۝ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ۝ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ أي: لو أخرناهم وأنظرناهم، وأملينا لهم برهة من الزمان وحينًا من الدهر -وإن طال- ثم جاءهم أمر الله، أيّ شيء يُجدي عنهم ما كانوا فيه من النعم؟ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [سورة النازعات:46]، وقال تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ [سورة البقرة:96]، وقال تعالى: وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [سورة الليل:11]؛ ولهذا قال: مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ.

وفي الحديث الصحيح: يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل رأيت خيرًا قط؟ هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول: لا والله يا رب[1] أي: ما كأنّ شيئًا كان.

ثم قال الله تعالى مخبرًا عن عدله في خلقه: أنَّه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم، والإنذار لهم وبعثة الرسل إليهم وقيام الحجة عليهم؛ ولهذا قال: وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُون ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَكما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [سورة الإسراء:15]، وقال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا إلى قوله: وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [سورة القصص:59].

وقوله -تبارك وتعالى- هنا: وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُون ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ، ذِكْرَى بمعنى: تذكرة، وكثير من أهل العلم يقولون: إنها منصوبة على المصدرية، وبعضهم يقول: منصوبة على أنها مفعول لأجله، وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُون ذِكْرَى، يعني أن حال هؤلاء المُنذِرين أنهم مُذكِّرون، جاءوا للذكرى، ولهذا بعضهم يقول: هو مفعول لأجله، يعني من أجل الذكرى، وبعضهم يقول: إنه خبر لمبتدأ محذوف، أي هي ذكرى، أو تلك ذكرى، أو هذا ذكرى، -والله تعالى أعلم.

ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ، وهذه الآية أو هذه الآيات كما في قوله: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ۝ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ على القول الذي ذكره ابن جرير وابن كثير أن المقصود بذلك هو التكذيب والكفر، كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ أي: الكفر والتكذيب، وهذا عند أوضح الآيات وأعظم الحجج والبينات والبراهين والمعجزات، ومع ذلك التكذيب والجحود.

وهذا فيه عبرة وإن لم يكن ذلك مقصودًا في مثل هذه المجالس في التفسير فإن المقصود هنا هو توجيه كلام المفسرين، وبيان وجه الترجيح، وما يحتاج إلى بيان فقط، دون الاشتغال بأمور أخرى زائدة عنه، لكن لا بأس من التنبيه أحيانًا على بعض المعاني التي في غاية الأهمية، ويحتاج الإنسان أن يقف عندها، فإن دلائل الحق الواضحة كما أن الله -تبارك وتعالى- يهدي بها من يشاء من عباده فإنها قد تكون سببًا لزيادة الغي والكفر والضلال لدى آخرين، كما قال الله -تبارك وتعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [سورة التوبة:125].

فآيات القرآن كما أنها تحمل الهداية فكذلك أيضًا يضل بها ويزداد كفرًا وغيًا من شاء الله -تبارك وتعالى- من خلقه، وهذا كثير ومشاهد، فقد تُذكر الهدايات، وينتفع بها أقوام ويتخذها آخرون محلًا للتندر والسخرية، أو تكون سببًا لمزيد من الزيغ والتكذيب والضلال؛ لأن نظرهم لا يقع على وجه هدايتها وإنما يقع على أمور قد تكون سببًا لمزيد من زيغهم وضلالهم وكفرهم.

وهذا كما أنه في الآيات المتلوة كذلك أيضًا هو في الآيات المشهودة في الآفاق وفي الأنفس، هي التي تقع للناس من عقوبات عامة أو خاصة، وما يحصل مما يشاهده الناس من دلائل قدرة الله -تبارك وتعالى، وما يخوف به عباده أيًّا كان ذلك، سواء كان من قبيل الخسوف أو الكسوف أو الزلازل، أو البراكين أو الفيضانات أو غير ذلك، من الناس من يتعظ بهذا ويعتبر ويخاف الله -عز وجل، ويراجع نفسه ويتوب، ومن الناس من لا يزداد بهذا إلا انتكاسة وكفرًا وضلالًا وتكذيبًا وإمعانًا في الغي، حتى بلغ الأمر في بعض البلاد أنهم يأتون بالخطباء والوعاظ الذين قالوا: إن هذه آيات وعقوبات، ويؤذونهم، ويحاسبونهم على مثل هذا الكلام، كيف تقول: هذه آيات، وتقول: إن هذه عقوبة؟ هذا الزلزال الذي جعل عالي البلد سافلها، كيف تقول: هذه عقوبة؟ فبعض الناس ما تزيده هذه إلا غيًا وتكذيبًا وكفرًا وضلالًا، وقل مثل ذلك في الآيات المتلوة، يأخذها مأخذ السخرية أو الاستهزاء والتندر أو الاستبعاد، والله المستعان.

قال تعالى: وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ۝ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ۝ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [سورة الشعراء:210-212].

يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد: أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله، وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، ثم ذكر أنه يمتنع عليهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ما ينبغي لهم، أي: ليس هو من بُغْيتهم ولا من طِلْبتهم.

يعني ليس هذا من مطالب الشياطين، هم غير مؤهلين لهذا، وإنما هم محل الأرجاس والأدناس والكفر والضلال، وليسوا محلًا لهذه الهدايات، ولا يدعون إليها ولا يرفعون بها رأسًا.

لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة؛ ولهذا قال تعالى: وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ.

إي، ما ينبغي لهم، هذا لا يكون أبدًا، يعني الذين كانوا يعرضون على النبي ﷺ الطب والرقية، وأنهم يعرفون ذلك ويحسنونه، يظنون النبي ﷺ به مس، ولهذا قالوا عنه: إنه مجنون، فيعزون ذلك الذي جاء به -عليه الصلاة والسلام- إلى الشياطين، فالله -تبارك وتعالى- يقول: وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ۝ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ، الشياطين ما تأتي بمثل هذا، ولا تشتغل بهذه الهدايات، إنما شغلهم هو الضلال والفساد والغي.

وقوله: وَمَا يَسْتَطِيعُونَ أي: ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك، قال الله تعالى: لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [سورة الحشر:21].

ثم بين أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته، لما وصلوا إلى ذلك؛ لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله؛ لأن السماء ملئت حرسًا شديدًا وشهبا في مُدّة إنزال القرآن على رسوله، فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه، لئلا يشتبه الأمر، وهذا من رحمة الله بعباده، وحفظه لشرعه، وتأييده لكتابه ولرسوله؛ ولهذا قال تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ، كما قال تعالى مخبرًا عن الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ۝ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مـَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا إلى قوله: أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [سورة الجن:8-10].

قال تعالى: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ۝ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ۝ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ۝ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ۝ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ۝ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ۝ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سورة الشعراء:213-220].

يقول تعالى آمرًا بعبادته وحده لا شريك له، ومخبرًا أنّ مَنْ أشرك به عذبه.

ثم قال تعالى آمرًا لرسوله ﷺ أن ينذر عشيرته الأقربين، أي: الأدنيْن إليه، وأنه لا يُخَلِّص أحدًا منهم إلا إيمانُهُ بربه .

قوله -تبارك وتعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، العشيرة: الأقربون، وبعضهم يقول: العشيرة من يجتمع بهم الجد العاشر، وبعضهم يقول غير ذلك، فالنبي ﷺ حينما أمره ربه -تبارك وتعالى- بهذا وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ، إذا جمعت الروايات الصحيحة فيما قاله النبي ﷺ تجد أن بعضها قد ذكر فيه قريشًا، قبيلة، عمَّ ثم خصَّ، يعني تدرج من قريش إلى مَن دونهم حتى وصل إلى فاطمة بنت محمد -رضي الله عنها وأرضاها، وتخصيص العشيرة، وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، لا يعني أن الإنذار مختص بهم كما هو معلوم، والله يقول: لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [سورة الأنعام:19]، لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [سورة الفرقان:1]، وما شابه ذلك من الآيات الكثيرة، لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [سورة الشورى:7]، ولكن هؤلاء أولى، وهكذا يكون الشأن في أتباع رسول الله ﷺ، والدعاة من بعده فإنهم يبدءون بالأقرب، فهم أولى بالإنذار والهداية والمعروف.

وأمره أن يُلين جانبه لمن اتبعه من عباد الله المؤمنين، ومن عصاه من خلق الله كائنًا مَنْ كان فليتبرأ منه؛ ولهذا قال تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ.

هنا قال: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، سواء قلنا هم قريش أو هم بنو عبد مناف أو بنو هاشم، جمع الروايات في هذا يفسره، وقوله هنا: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اخفض جناحك لمن اتبعك، ما تطرق لها الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا، لِمَنِ اتَّبَعَكَ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ، خفض الجناح يعني إلانة الجانب، وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ [سورة آل عمران:156]، قال قبله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ فلين الجانب سبب لتأليف القلوب والاستجابة والقبول، والله -تبارك وتعالى- وصف أهل الإيمان ومن مع النبي ﷺ من أصحابه قال: فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [سورة المائدة:54]، وقال في وصف أصحاب محمد ﷺ: وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [سورة الفتح:29].

وهنا قوله: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، هذا القيد، وهو قوله: لِمَنِ اتَّبَعَكَ هل يفيد التخصيص؟ بمعنى هل يوجد من المؤمنين من لا يتبع النبي ﷺ فيحتاج إلى غلظة ولا يشمله ما أُمر به النبي ﷺ من تليين الجانب لأتباعه؟ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، والذين لا يتبعونه من المؤمنين، بمفهوم المخالفة فإنه لا يلين جانبه إليهم، إن كان هذا هو المراد، يعني هل يتصور من المؤمنين عدم اتباع النبي ﷺ، فيكون من المؤمنين من يتبع ومنهم من لا يتبع، هؤلاء يلان الجانب لهم وهؤلاء لا يلان الجانب لهم، مع أن مقتضى الإيمان هو الاتباع، فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [سورة النساء:65]، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [سورة النور:51]، وما شابه ذلك من الآيات.

بعضهم كصاحب الكشاف يقول: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بأن من كان مريدًا للإيمان فإن حقق ذلك وانقاد فإنه يلان له، فيكون سماهم بالمؤمنين باعتبار ما يصيرون إليه إن وجد الإقبال على الإيمان، لكن هذا فيه بعد، فهذا ذكره احتمالًا، وذكر وجهًا آخر وهو أن المراد وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال: الذين يظهرون الإيمان على نوعين، نوع يكون من المؤمنين حقًا، ويكون متبعًا للنبي ﷺ منقادًا مستجيبًا مطيعًا، فهؤلاء هم أهل الإيمان حقيقة، والنوع الثاني: هم من الفساق أو من المنافقين، والله يقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [سورة التوبة:73]، فأهل الفسق وأهل النفاق لا يكون لهم من إلانة الجانب كما يكون لأهل الإيمان الكامل، لأهل الطاعة والاستجابة، هكذا ذكر.

وأظن أن أحسن من هذا -والله تعالى أعلم- ما ذكره الشنقيطي -رحمه الله- من أن ذلك للتوكيد، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أن ذلك للتوكيد، وأن المؤمنين متبعون للنبي ﷺ، فالله يقول: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ توكيدًا، كان بالإمكان أن يقال: واخفض جناحك للمؤمنين، فذكر الاتباع من باب التوكيد، فتكون من قبيل الصفة الكاشفة، كقوله -تبارك وتعالى: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [سورة الفاتحة:6] إذا قلنا: إن الصراط لا يكون صراطًا في الأصل إلا إذا تحقق فيه الاستقامة، لا يقال له: صراط إلا أن يكون مستقيمًا، فإذا قال: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، فهذه صفة كاشفة، يعني لا مقيدة، بخلاف ما إذا قلت: رجل طويل، لكن إذا قلت: رجل ذكر، الرجل لا يكون إلا ذكرًا، امرأة أنثى، هذه صفة كاشفة، لكن لما تقول: امرأة طويلة، هذه مقيدة، لما تقول: نار حارة، هذه صفة كاشفة، النار لا تكون إلا حارة في الأصل، وهكذا، فهنا وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يكون المقصود بذلك التوكيد، لمن اتبعك من المؤمنين، والله تعالى أعلم.

والجناح يقال للجانب، ويد الإنسان جناحه، فإن الإنسان إذا أراد أن يبطش رفع يده، والله يقول: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ [سورة الإسراء:24] يعني: جناحك الذليل، يعني جانبك.

ولهذا قال تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ، وهذه النذارة الخاصة لا تنافي العامة، بل هي فرد من أجزائها، كما قال تعالى: لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ [سورة يس:6]، وقال تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [سورة الشورى:7]، وقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ [سورة الأنعام:51]، وقال تعالى: لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [سورة مريم:97]، وقال تعالى: لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [سورة الأنعام:19]، كما قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [سورة هود:17].

وفي صحيح مسلم: والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار[2].

وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول هذه الآية الكريمة، فلنذكر بعضًا منها:

روى الإمام أحمد -رحمه الله- عن ابن عباس قال: لما أنزل الله : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ، أتى النبي ﷺ الصفا فصعد عليه، ثم نادى: يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله ﷺ: يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل، تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟، قالوا: نعم. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [سورة المسد:1][3].

ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

وروى الإمام أحمد عن عائشة قالت: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ، قام رسول الله ﷺ فقال: يا فاطمة بنت محمد، يا صفية ابنة عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم[4]، انفرد بإخراجه مسلم.

وروى الإمام أحمد عن قَبِيصة بن مُخَارق وزُهَير بن عمرو قالا لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ صَعد رسول الله ﷺ رَضْمَةً من جبل على أعلاها حجر، فجعل ينادي: يا بني عبد مناف، إنما أنا نذير، إنما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو، فذهب يربأ أهله، يخشى أن يسبقوه، فجعل ينادي ويهتف: يا صباحاه[5].

ورواه مسلم والنسائي.

جمع الروايات يبين المراد -والله تعالى أعلم، في بعضها النبي ﷺ نادى قريشًا يا معشر قريش.

وقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ أي: في جميع أمورك؛ فإنه مؤيدك وناصرك وحافظك ومظفرك ومُعْلٍ كلمتك.

وقوله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ أي: هو معتن بك، كما قال تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [سورة الطور:48].

قال ابن عباس: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ يعني: إلى الصلاة.

وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده.

وقال الحسن: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ إذا صليت وحدك.

وقال الضحاك: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ أي: من فراشك أو مجلسك.

وقال قتادة: الَّذِي يَرَاكَ قائما وجالسا وعلى حالاتك.

قوله -تبارك وتعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، وفي الآية الأخرى فَتَوَكَّلْ [سورة النمل:79] والفاء تشعر بالتعليل كما أنها تدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن هذا الإنذار له تبعه، وسيَلْقى ﷺ بسبب ذلك فأمره بالتوكل وجمع بين هذين الاسمين الكريمين الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ فإن من تتوكل عليه قادر على حفظك وإعزازك ونصرتك وكفايتك، كما أنه لطيف بك رحيم، ويأتيك من ألطافه ما لا يخطر لك على بال.

قال: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، كما يقول الله -تبارك وتعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ [سورة يونس:61] يعني: يراك في كل حالاتك، هو شاهد عليك ناظر إليك في كل حالاتك، وهنا الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ أي: هو معتنٍ بك، كما قال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [سورة الطور:48]، قال ابن عباس: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ يعني: إلى الصلاة، حين تقوم إلى الصلاة، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، لكن ما وجه هذا القول، لماذا خصصه بالصلاة، ما وجهه؟ القرينة هي ما بعده، أنه قال: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، فهما حالتان متقابلتان، الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ قال: إلى الصلاة الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، فهو سواء كان في صلاته وحده أو كان مع غيره، مع الجماعة، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ.

قال: وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده، وهذا يرجع إلى الأول حينما تقوم إلى الصلاة يعني يرى هذه الصلاة، يراك في هذه الصلاة، قيامك وسجودك إلى آخره، فهذا ليس بقول آخر، وقال الحسن: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ قال: إذا صليت وحدك، وهذا لا ينافي ما قبله، ولهذا فإن أكثر المفسرين يقولون: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ يعني: في حال الانفراد، إذا صليت وحدك، إذا قمت إلى الصلاة وحدك، وبعضهم يخصصه بقيام الليل، الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ باعتبار أن القيام ينصرف غالبًا إلى صلاة الليل، ولهذا يعبر بعضهم ويقول: حِينَ تَقُومُ أي: من فراشك، كما يأتي.

وقال الضحاك: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ أي: من فراشك أو مجلسك، وإلى صلاتك أيضًا، وهذا الذي ذهب إليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله،الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ من مجلسك أو من فراشك أو إلى صلاتك، باعتبار أن الله عمَّ ولم يخص فيحمل ذلك على العموم، فيقال: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ مطلقًا، سواء كان إلى صلاة أو إلى غيرها.

وقال قتادة: الَّذِي يَرَاكَ قائمًا وجالسًا وعلى حالاتك،وهذا أيضًا حمله على العموم، يعني أنه لا يختص بالصلاة، وممن عمم ذلك أيضًا مجاهد بن جبر.

قال: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، بعضهم يقول: وهو مروي عن مجاهد وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ يعني: في التصفح والنظر إلى المصلين، وسواء كان ذلك في داخل الصلاة أو في خارجها، والنبي ﷺ ثبت عنه أنه أخبر أنه يرى من خلفه في حال الصلاة، ويقلب بصره فيهم، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ حمله على النظر إليهم، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، لكن في هذا بعد، والله تعالى أعلم.

فالأقرب هو ما ذكره ابن جرير -رحمه الله، وقال به جماعة من السلف، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي: معهم، يعني في صلاتك معهم، وتقلبك مع الساجدين حينما تقوم وتركع وتسجد، وليس المقصود بذلك النظر، ويدل على ذلك ما قبله أنه قال: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ۝ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي: ويراك في حال كونك مع المصلين تصلي قائمًا وقاعدًا وتسجد وتركع، يراك في كل هذه الحالات، وهذا الذي رجحه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- وقال به كثير من أهل العلم، ولهذا قال هنا: قال قتادة: في الصلاة يراك وحدك ويراك في الجمع، يعني الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ أي: وحدك، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي: مع الجماعة، وهذا قول أكثر المفسرين.

وقوله: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال قتادة: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ۝ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال: في الصلاة، يراك وحدك ويراك في الجَمْع، وهذا قول عكرمة، وعطاء الخرساني، والحسن البصري.

وقوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي: السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم، كما قال تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ الآية [سورة يونس:61].

قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ ۝ تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ۝ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ۝ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ۝ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [سورة الشعراء:221-227].

يقول تعالى مخاطبًا لِمَنْ زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول ليس بحق، وأنه شيء افتعله من تلقاء نفسه، أو أنه أتاه به رئِيٌّ من الجن، فنزه الله سبحانه جناب رسوله عن قولهم وافترائهم، ونبه أن ما جاء به إنما هو من عند الله، وأنه تنزيله ووحيه، نزل به ملك كريم أمين عظيم، وأنه ليس من قَبيل الشياطين، فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا القرآن العظيم، وإنما ينزلون على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة؛ ولهذا قال الله: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ أي: أخبركم، عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ ۝ تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ أي: كذوب في قوله، وهو الأفاك الأثيم، أي الفاجر في أفعاله، فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين كالكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة، فإن الشياطين أيضا كذبة فسقة.

يُلْقُونَ السَّمْعَ أي: يسترقون السمع من السماء، فيسمعون الكلمة من علم الغيب، فيزيدون معها مائة كذبة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس فيتحدثون بها، فيصدقهم الناس في كل ما قالوه، بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء، كما صح بذلك الحديث، كما رواه البخاري عن عائشة -رضي الله عنها: سأل ناسٌ النبي ﷺ عن الكهان، فقال: إنهم ليسوا بشيء، قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقا؟ فقال النبي ﷺ: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فَيُقَرقِرها في أذن وليه كقَرْقَرة الدجاجة، فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة[6].

وروى البخاري أيضًا عن أبي هريرة يقول: إن نبي الله ﷺ قال: إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعانًا لقوله، كأنها سلسلة على صَفْوان، حتى إذا فُزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: لَلذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض، وصفه سفيان بيده فَحَرّفها، وبَدّدَ بين أصابعه فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر -أو الكاهن-فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء[7]، تفرد به البخاري.

وروى البخاري عن عائشة، عن النبي ﷺ أنه قال: إن الملائكة تحدّث في العَنَان -والعَنَان: الغَمَام- بالأمر يكون في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة، فتَقُرُّها في أذن الكاهن كما تُقَرّ القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة[8].

قوله -تبارك وتعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ ۝ تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ، والأفاك هو كثير الإفك، وهو الكذب، كثير الكذب، تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ أي: كثير الآثام.

يُلْقُونَ السَّمْعَ، قوله هنا: يُلْقُونَ السَّمْعَ يقول: أي يسترقون السمع من السماء، يُلْقُونَ السَّمْعَ يحتمل أن يكون ذلك حالًا من الشياطين، يعني أن الشياطين يلقون السمع، حال من الشياطين، والسمع مصدر، وتارة يكون المراد به المعنى المصدري، وتارة يراد به معنى اسم المفعول، فقوله هنا: يُلْقُونَ السَّمْعَ أي: الشياطين، يُلْقُونَ السَّمْعَ إذا قلنا: إن المراد به المعنى المصدري يعني يُلْقُونَ السَّمْعَ أي: حال كونهم مستمعين، يعني ينصتون، يسترقون السمع، يلقون السمع، الذي هو حاسة السمع، يعني ينصت، يسترق السمع، يصلون إلى السماء هكذا، كما صوَّرهم بأن بعضهم فوق بعض إلى أن يصلوا إلى السماء، سواء قلنا: إن السماء المراد بها السقف المحفوظ أو أن المراد بها السحاب، فإن ذلك يقال له سماء كما تدل عليه الرواية التي مضت آنفًا أن الملائكة ينزلون فيتحدثون في العنان، يعني السحاب.

فالشاهد أن الشياطين يصعد بعضهم فوق بعض حتى يستمعوا إلى ما تقول الملائكة، وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ۝ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ [سورة الجن:8، 9] للسمع يعني: للاستماع، يعني لاستراق السمع، ينصتون إلى ما تقول الملائكة، يُلْقُونَ السَّمْعَ يعني: حاسة السمع، وعبر بالإلقاء على سبيل المبالغة لشدة الإنصات، كما قال الله : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ [سورة ق:37] من شدة الإنصات كأنه ألقاه لما يستمع إليه، وهذا يكون لمن يريد أن يكون في غاية الحرص على الاستماع فإنه يلقي سمعه بكليته للناحية التي يريد الاستماع لها، فهذا احتمال، وهو حال من الشياطين، ويكون السمع هنا باعتبار المعنى المصدري أي الاستماع.

ويحتمل أن يكون بمعنى اسم المفعول، يلقون السمع، هذا الذي يتلقونه ويأخذونه ويخطفونه من الملائكة يقال له أيضًا: سمع، الكلمة التي يتلقفها ويأخذها يقال لها: سمع، باعتبار أنها مسموع، سمعٌ بمعنى مسموع، يلقونه إلى الكهان، يَطرَح لهم يلقي لهم هذه الكلمة التي خطفها فيكذب معها مائة كما جاء في الحديث، سواء قلنا: إن الذي يكذب هو الشيطان، أو الذي يكذب هو الكاهن يكذب مع ما يلقيه له الشيطان، فيكون على هذا وهذا، يكون هذا حالًا من الشياطين، هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ ۝ تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ۝ يُلْقُونَ السَّمْعَ، تنزل الشياطين على كل أفاك، مثل الكاهن، يُلْقُونَ السَّمْعَ فإذا قلنا: إن الضمير يرجع إلى الشياطين، وليس المقصود الأفاك الأثيم، يعني هو الكاهن مثلًا الذي تنزل عليه الشياطين، يعني من الناس، يلقون السمع أي: الشياطين تلقي السمع فتخطف الكلمة فتلقيها للكاهن -ينصتون.

وفي مثل هذا يمكن أن تحمل الآية على المعنيين، يلقون السمع بمعنى ينصتون يعني الشياطين، على هذا القول هو حال من الشياطين، وهذا الذي يحصل من جراء ذلك: تلقف الكلمة التي سمعوها من السماء، يلقونها في الواقع، الحال للشياطين، فهذا كله دل عليه الدليل، كما في هذه الأحاديث التي مضت أنهم ينصتون كما في قوله: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ [سورة الجن:9]، وكذلك أيضًا في الحديث الذي مضى، ويحتمل أن يكون ذلك يلقون السمع يعود إلى الكهان، يلقون السمع يعني: ما سمعوه، ما ألقته إليهم الشياطين، هذا الأفاك يلقي ما تلقَّفه من الشياطين ويزيد عليه مائة كذبة.

فهنا هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ ۝ تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ۝ يُلْقُونَ السَّمْعَ فالشياطين تلقي السمع، تنصت أو تلقي المسموع، أو أن المقصود أن الأفاك كالكاهن يلقي ما سمع ويزيد معه مائة كذبة، وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ هؤلاء كذبة، وقال: وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ باعتبار أن غالب ما يقولونه كذب يزيدونه، قلّ من يصدق منهم، فإن الأفاك هو الكثير الكذب، وليس المقصود به الذي لا يصدق أبدًا؛ لأنهم يلقون الكلمة التي تلقوها من السماء، وهذا الذي يُضَل به كثير من الناس، يذكرون الكلمة التي وقعت كما هي، أخبروهم عن أمر غيبي أنه سيحصل، فيذكرها الناس، فيقولون: قالوا لنا في يوم كذا كذا وصدَقُوا، وينسون الكذب كما هو الحال في بعض من يعبر الرؤى، أحيانًا قد ينطق القرين على لسانه، فيحصل بسبب ذلك أحيانًا إصابةٌ في أشياء محددة ودقيقة فيغتر بها الناس، وأما الأشياء الأخرى التي لا تقع فينسونها، ولا يذكرونها، وإنما يذكرون هذه التي أصاب فيها فيقولون: تذكّرْ حينما قال كذا.

وقوله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني: الكفار يتبعهم ضلال الإنس والجن، وكذا قال مجاهد -رحمه الله، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهما.

وقال عكرمة: كان الشاعران يتهاجيان، فينتصر لهذا فِئَامٌ من الناس، ولهذا فئَامٌ من الناس، فأنزل الله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ.

الغاوون في قوله: يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ بعضهم يقول: رواة الشعر، وبعضهم يقول: الشياطين، وبعضهم يقول: السفهاء، وبعضهم يقول غير ذلك، وابن جرير -رحمه الله- عممه في كل من يوصف بالغواية، والغاوي هو الضال الزائغ عن الحق، والشيطان توعد وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [سورة الحجر:39]، فكل من اتبع الغي والضلال فهو غاوٍ، يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ يعني: أهل الغواية، وهذا يدل على أن اتباع الشعراء في الواقع اتباع للشياطين، والله -تبارك وتعالى- يقول: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [سورة الحجر:42]، وهنا وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، فاتباع الشعراء هو من اتباع الشياطين.

والمقصود بالشعراء هنا الشعراء الذين ليسوا على هدى، سواء كانوا من شعراء الكفار أو المنافقين، أو كانوا من الفسقة الجهلة من المنتسبين للإسلام الذين يتكلمون ويهرفون بما لا يعرفون، ويخوضون في كل شيء، وينسبون إلى أنفسهم أمورًا لا حقيقة لها من أفعال تتصل بالشجاعة أو الجود أو البصر في الأمور أو كمال العقل والإدراك، أو كان ذلك من جهة أمور تتعلق بالفحش والغواية.

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، تارة في الهجاء وتارة في التشبع بما لم يُعطَ، إلى غير ذلك، فهذا يطرب له فئام من الناس، وهذا يطرب له فئام من الناس، وهذا يصفق ويهتف له سفهاء، وهذا يصفق له سفهاء، وتجري على ذلك مهاترات ومنافسات وحماقات وضلالات من هؤلاء -أعني أهل الغواية- في هجْوهم، وضلالهم، وباطلهم الذي يصاغ بهذه الصياغة من المنظوم من الكلام، واليوم لهذا سوق رائجة كما هو معلوم، واستمع إلى ما يقوله كثير هذه الأيام في برامج خاصة، وقنوات خاصة، ومسابقات خاصة، وانظر إلى ملايين الناس الذين يتهافتون على هذه التفاهات والسفاهات، وإذا سمعت إلى كثير من هذا الشعر تارة تقول: هذا على لسان الجن أو كأنه على لسان الشياطين، أو كأن الشياطين تنطق معه، لا تكاد تفهم منه شيئًا، وتارة تقول: هذا مغموس في الضلالة، وتارة تقول: هذا لا يصدر إلا من شانئ مبغض لأهل الإيمان يهجوهم ويهجو علماءهم وأهل الفضل منهم، وتجد في مثل "شاعر المليون" من هذا أشياء وأشياء، فبعض ذلك يدخل في قوله تعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ.

وقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: في كل لغو يخوضون.

وقال الضحاك عن ابن عباس: في كل فن من الكلام، وكذا قال مجاهد وغيره.

وقوله: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ قال العوفي، عن ابن عباس: كان رجلان على عهد رسول الله، أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وأنهما تهاجيا، فكان مع كلواحد منهما غواة من قومه -وهم السفهاء- فقال الله تعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ.

هذه الرواية لا تصح في سبب النزول.

والمراد من هذا أن الرسول ﷺ الذي أنزل عليه هذا القرآن ليس بكاهن ولا بشاعر؛ لأن حاله منافٍ لحالهم من وجوه ظاهرة، كما قال تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ [سورة يس:69]، وقال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ۝ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ ۝ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ ۝ تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الحاقة:40-43].

وقوله: إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط، عن أبي الحسن سالم البَرّاد -مولى تميم الداري- قال: لما نزلت: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وكعب بن مالك إلى رسول الله ﷺ، وهم يبكون فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبي ﷺ: إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قال: أنتم، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا قال: أنتم، وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا قال: أنتم[9]، رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، من رواية ابن إسحاق، ولكن هذه السورة مكية، فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار؟ في ذلك نظر.

هذه الروايات لا يصح منها شيء، سواء هذه الروايات التي ذكرها، أو روايات أخرى لم يذكرها.

ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها، والله أعلم.

ذكر في الأصل غير ذلك لكن من قبيل المراسيل.

ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم، حتى يدخل فيه مَنْ كان متلبسًا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله، ثم تاب وأناب، ورجع وأقلع، وعمل صالحًا، وذكر الله كثيرًا في مقابلة ما تقدم من الكلام السيئ، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كذب بذمه، كما قال عبد الله بن الزبعرى حين أسلم.

المقصود أيها الأحبة أن هذه الأوصاف مقصودة لذاتها، فإن دعاوى التوبة، وما يُزعَم من أن فلانًا الذي كان يقول شعرًا فيه إسفاف أو طعن في الإسلام وتشكيك في ثوابته أو إزراء على أهل الفضل والدين والصلاح أو ما أشبه ذلك لا تكفي هذه الدعاوى والشائعات التي تقال عن توبته، سواء كان شاعرًا أو غير شاعر، والله -تبارك وتعالى- هنا في الشعراء قال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا، سواء قلنا: إن المقصود ذكروا الله كثيرًا في شعرهم، ذكروه في شعرهم، بمعنى أن شعرهم متضمن للثناء على الله -تبارك وتعالى- ولتعظيمه، أو ذكروه أيضًا بقلوبهم بمراقبته -تبارك وتعالى- فيما يقولون، فيذكرونه بألسنتهم، وذكروا الله كثيرًا بجوارحهم بالعمل الصالح، فهذا كله من ذكر الله -تبارك وتعالى.

أو قيل: إن المقصود بذلك لا يختص بالشعر، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا أي: في سائر أحوالهم، في كلامهم وفي مخاطبتهم، وذكروه بجوارحهم بطاعته -تبارك وتعالى، هذه الأوصاف مقصودة، الإيمان والعمل الصالح، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ، فهؤلاء هم الذين استثنى الله -تبارك وتعالى- من أولائك الذين وصفهم بتلك الأوصاف التي ينبغي التنزه عنها وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۝ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، هذا حال الشعراء، هذا هو الأصل في الشعراء إلا من استثني، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا.

فإذا أردت أن تعرف حال الشاعر فانظر إلى ما يقوله وما يرويه، أو ما ينشئه من الشعر، فإن كان فيه هذه الأوصاف، وانظر إلى حاله من الإيمان والعمل الصالح وكثرة الذكر، فهؤلاء هم الذين استثنى الله، ومن عداهم فهم ممن ذكر الله -تبارك وتعالى، فمثل هؤلاء لا يستحقون الإعجاب والإطراء وأن تحمرّ الوجوه منافحة عن هذا أو ذاك، والحماسة لمثل هؤلاء الذين صغرهم الله -تبارك وتعالى.

كما قال عبد الله بن الزبعرى حين أسلم:

يَا رَسُولَ المَليك إنّ لسَاني رَاتقٌ مَا فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ
إذْ أجَاري الشَّيْطانَ في سَنن الغَيِّ وَمَن مَالَ مَيْلَه مَثْبُورُ

يقول: أنا سأصلح ما أفسدتُ، حينما كان على الكفر، يقول شعرًا في هجاء النبي ﷺ، في هجاء الإسلام والمسلمين، يقول: أنا راتق ما فتقتُ، سأصلح ما أفسدت وأرقع ما خرقت حينما كنت في هذه الحال التي وصفها بالبور، ومجاراة الشيطان في سنن الغي.

وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، كان من أشد الناس عداوة للنبي ﷺ، وهو ابن عمه، وأكثرهم له هجوًا، فلما أسلم لم يكن أحدٌ أحبَّ إليه من رسول الله ﷺ، وكان يمدح رسول الله ﷺ بعدما كان يهجوه، ويتولاه بعدما كان قد عاداه.

وهو أكثر الناس وأقرب الناس شبهًا بالنبي ﷺ كان من أشد أعداء النبي -عليه الصلاة والسلام، والأبيات المعروفة التي قالها حسان :

ألا أبلغْ أبا سفيانَ عني فأنتَ مجوّفٌ نخبٌ هواءُ

لا يقصد به أبا سفيان بن حرب والد معاوية -رضي الله عنه، ليس هو المقصود إنما المقصود هذا، ابن عم النبي ﷺ، الذي كان شاعرًا، الذي يقول فيه حسان أيضا:

أتهجوه ولستَ له بكفء فشرُّكما لخيركما الفداءُ

كل هذا في أبي سفيان بن الحارث وليس في أبي سفيان بن صخر قائد المشركين، ليست فيه.

وقوله: وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا قال ابن عباس: يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين. وكذا قال مجاهد، وقتادة، وغير واحد، وهذا كما ثبت في الصحيح: أن رسول الله ﷺ قال لحسان: اهجُهم -أو قال: هاجِهم- وجبريل معك[10].

وروى الإمام أحمد عن كعب بن مالك أنه قال للنبي ﷺ: إن الله  قد أنزل في الشعّر ما أنزل، فقال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده، لكأن ما ترمونهم به نَضْح النبْل[11].

نضح النبل يعني أنه شديد عليهم كالسهام التي ترمونهم بها، شديد الوقع شديد الأثر، ولهذا فإن من أعطاه الله ملكة في الشعر، فينبغي أن يسخر ذلك في نصر الإسلام وهجاء الكفار والمنافقين الذين يطعنون في الإسلام ويشككون في ثوابته بكل سبيل مستطاع، فيهجو هؤلاء من كاتبين وغيرهم، وذلك شديد الأثر عليهم.

وقوله: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، كقوله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ الآية، وفي الصحيح: أن رسول الله ﷺ قال: إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة[12].

 قال قتادة بن دِعَامَة في قوله: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ يعني: من الشعراء وغيرهم.

آخر تفسير سورة الشعراء، والحمد لله رب العالمين.

  1. رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (13112)، وقال محققوه: " إسناده صحيح على شرط مسلم"، ولفظه: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (8000).
  2. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة، برقم (153).
  3. رواه أحمد في المسند، برقم (2801)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  4. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، برقم (205)، والنسائي، كتاب الوصايا، باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين، برقم (3648)، والترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في إنذار النبي ﷺ قومه، برقم (2310)، وأحمد في المسند، برقم (25044)، وقال محققوه: إسناده صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين.
  5. رواه أحمد في المسند، برقم (20605)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيّيْه، فقد خرّج لهما مسلم.
  6. رواه البخاري، كتاب الطب، باب الكهانة، برقم (5429).
  7. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة سبأ، برقم (4522).
  8. رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3114).
  9. رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (19/ 418).
  10. رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم (3041)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم، باب فضائل حسان بن ثابت ، برقم (2486).
  11. رواه أحمد في المسند، برقم (27175)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (1631).
  12. روه مسلم، بلفط: اتقوا الظلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2578)، وأحمد في المسند، برقم (6838).

مواد ذات صلة