الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
(049) قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ..} الآية
تاريخ النشر: ٢١ / ذو الحجة / ١٤٣٧
التحميل: 667
مرات الإستماع: 1069

الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، أما بعد:

لما ذكر الله -تبارك وتعالى- من اجتبى، واصطفى من عباده إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:33-34]، ذكر دعاء امرأة عمران إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35]، فذلك من شأن آل عمران الذين ذكر الله اصطفاءهم، وقد تحدثنا في الليلة الماضية عن هذه الآية الكريمة، وعن نذرها.

 قال: الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، لما نذرت ما في بطنها، وذلك مُبهم، ولم تكن تعلم هل هذا الحمل ذكر، أو أنثى، فلما علمت بذلك، ورأته، وعاينته أنه أنثى، والأنثى لا تلي من الأعمال، والمهام، والوظائف، وما إلى ذلك ما يليه الرجال، فقالت معتذرة رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.

لما تم حملها، ووضعت مولودها قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى يعني: قد لا يتحقق على يديها ما كنت أُأَمله في المنذور من الولد، من القيام على الخدمة ببيت المقدس، ونحو ذلك، جاء هذا الاحتراز وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ من كلام الله ، وفي القراءة الأخرى المتواترة: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ، والقاعدة أن المُحترزات في القرآن تأتي في كل موضع بحسب ما يليق به، محُترزات الجُمل الاحترازية، فهنا لدفع لبس أو وهم.

إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى فهنا إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى قد يتبادر إلى الذهن أنها تُخبر ربها -تبارك وتعالى- خبرًا يُفيد العلم بما وضعت، كأن الله لا يعلم ذلك، والله بكل شيء عليم، علمه مُحيط بجميع الأشياء، فلما كانت العبارة، والصيغة هكذا على سبيل الإخبار، جاء هذا الاحتراز من قِبلها على إحدى القراءتين: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ يعني لست أفيد علمًا، وأضيف علمًا إلى الله لم يكن معلومًا، فالله يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ، وإنما قالت ذلك على سبيل الاعتذار، وعلى القراءة الأخرى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ فهذا يكون من كلام الله يُبين فيه عن هذا المعنى أن ذلك الذي قالته لم يكن خافيًا ، فهذا احتراز، المُحترزات في المواضع المتنوعة في القرآن تختلف فوائدها بحسب المقام.

وهنا قالت: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى على القراءة الأولى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ يكون هذا من قبيل الموصول لفظًا المفصول معنى، يعني الكلام متصل كأنه من قول قائل واحد إلا أن هذه الجملة من كلام الله، وما قبلها من كلامها، وما بعدها من كلامها، وهذا كثير في القرآن في بعض المواضع بلا إشكال، يعني: أنه من كلام اثنين، وفي بعض المواضع يحتمل، وفي بعض المواضع بحسب القراءة.

تجد في كلام امرأة العزيز مثلاً الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ [يوسف:51]، فاعترفت بهذا، وأنه صادق، ونحو ذلك، قال الله : ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف:52]، هذا يحتمل أنه من كلامها، يعني تقصد زوجها أنها كانت مجرد مراودة، ولم تقع في الفاحشة، ويحتمل أنها تقصد يوسف أنها لا تقول عليه في غيبته كلامًا يبهته، وإنما تقول الحق فيه، والصدق، وهو في السجن، ويحتمل معنى ثالث: أن يكون هذا من كلام يوسف ، وهو اختيار أبي جعفر ابن جرير -رحمه الله-، يعني: أن يوسف طلب فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [يوسف:50]، يقول: أنا أردت أمرًا ليعلم أني لم أخن، يعني: العزيز، أني لم أخنه بالغيب، هذه التهمة التي تدخلت فيها، وقالت: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25]، فهذه تهمة أُلصقت به، ثم أُدخل السجن، فأراد أن يُبين عن براءته، فيحتمل هذا.

فلاحظ على القول بأنه من قول يوسف يكون من الموصول لفظًا المفصول معنى، يعني: الذي قبله من كلام امرأة العزيز، ويحتمل على قول بعض المفسرين أنه من كلامها سواء قصدت به يوسف ، أو قصدت زوجها على قول الجمهور، وإن اختلفوا من أرادت ذَلِكَ لِيَعْلَمَ.

على كل حال، فهنا وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى ليس الذكر يعني كالأنثى في النهوض بالأعباء، والمهام، والقيام بمختلف الوظائف، ونحو ذلك، فالذكر أقوى من الأنثى، وأقدر بلا شك، تقول:  وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ أحُصنها مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ رجيم: يعني مرجوم، مطرود من رحمة الله ، مطرود عن الخير على قول الجمهور، ويحتمل -كما ذكرنا- في الاستعاذة أن الرجيم بمعنى الراجم، فعيل بمعنى فاعل، يعني: يرجم الناس بالخواطر السيئة، والوساوس، والشبهات، ونحو ذلك، والإيرادات السيئة.

يؤخذ من هذه الآية الكريمة من الهدايات: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ لاحظ الخطاب باسم الرب -كما ذكرنا في الليلة الماضية-، وفي مناسبات سابقة بأن هذا أكثر ما جاء في القرآن؛ لأن من معاني الربوبية العطاء والمنع، والقبول والرد، ونحو ذلك، فهي تسأل ربها أن يتقبلها، وأن يحفظها، ونحو هذا؛ لأنها قد نذرتها، رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى لاحظ لفظة الوضع "وضعتها أنثى" الوضع كأن شيء يحمله الإنسان، ثم بعد ذلك وضعه.

الأم أيها الأحبة! تحمل الولد تسعة أشهر، تصور لو قيل لك أحمل هذه الساعة تسعة أشهر، ستعجز، وتتعب من أول ليلة، وتحمل ذلك في أضعف المواضع البطن، وهو معروف برقته، ومراقه، فهي تقوم به، وتقعد، وتنام، وتتقلب في فراشها، ويتقلب في جوفها، ويتحرك، ويثقل يومًا بعد يوم، ويزيدها عبئًا، وتعبًا، وعناء، ويقتات من دمها، وغذائها، وعافيتها، فهي تنقص كل يوم لا تزيد.

ثم بعد ذلك يتكمل، ويصيبها ما يُصيبها من آلام الولادة، ثم بعد ذلك تضع، فإذا وضعت كان ما كان مما يقع للنساء في حال النفاس من الضعف الشديد، ثم بعد ذلك يأخذ بمجامع قلبها، وتشتغل به فلا تنصرف عنه بنظرها، ورعايتها، وتعاهدها لحظة واحدة، تنام بمقلة، وتنظر بالأخرى خوفًا على هذا الولد، حتى يشب، وإذا شب، وقوي ساعده، واشتد فإنها لا تنساه، تزداد همومه، وتكبر معه، فإذا ضاق ضاقت، وإذا حزن حزنت، وإذا رأت منه مظاهر تدل على قلة الاكتراث، أو سوء الرعاية، أو نحو ذلك من الاستطالة، والجفاء آلامها ذلك غاية الإيلام، هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]، فهي معه دائمًا في همومه، وآلامه، ومشكلاته، وأمراضه تمرض، وتحمل مشاعر لا يعرفها الولد، ولا يستشعرها، هنا فَلَمَّا وَضَعَتْهَا تحمل شيئًا تسعة أشهر، ثم تضعه فهذه لها دلالة فيما يتصل بالكُلفة، والمشقة الحاصلة من الحمل.

وكذلك رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى هذا اعتذار، وفيه أن العبد يعتذر إلى ربه -تبارك وتعالى- في أمور قد لا تدخل تحت طاقته، وقدرته، وإمكاناته، ولم يتسبب بها، يقول: يا رب أردت كذا سعيت في كذا، أردت أن تقرب إليك في كذا، عزمت في هذا الموسم على كذا، لكن حيل بيني، وبينه فأنت تسمع وترى، يعتذر إلى ربه، والله يعلم الحال والمُتقلب، ولكن هذه سنة جارية دل عليها القرآن الاعتذار إلى الله فيما يقع من العبد من أمور لا يستطيع معها النهوض بما يُريد على وجه التمام، أو يعجز بالكلية، كأن يمرض، ولا يستطيع الذهاب إلى الجمعة، والجماعة، فيقول يا رب أنت تسمع، وترى حالي، قد حيل بيني، وبين المسجد، ونحو هذا.

كذلك أيضًا رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى هذا على سبيل الاعتذار، فما يكون من هذا القبيل لا يكون إعلامًا لله -تبارك وتعالى- فيما كان خافيًا عليه، فلا إشكال في ذلك.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ لاحظ باعتبار أن هذا من كلام الله، يكون فيه هذا الاحتراز الذي ذكرنا بالإضافة إلى معنى زائد، وهو أنه مُشعر بتعظيم لهذا المولود، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فعُبر عنه بهذه الصيغة بِمَا وَضَعَتْ هذا المولود سيكون له شأن عظيم، وسيصل خبره إلى كل سمع، وسيكون من شأنه أمور في المستقبل، فهذه مريم -رحمها الله-، ولدت عيسى المُعجزة، الآية الدالة على قدرة الله ، ونبي من كبار الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- جاءت به هذه المولودة التي كانت أمها معتذرة من أنها أنثى.

فيؤخذ من هذا أيها الأحبة! أن الإنسان لا يدري مهما كان فضله، ومنزلته، وشرفه، واجتهاده في الطاعة، والتقرب إلى الله، الإنسان دونه حجاب الغيب، فلا تحزن، لا تحزن، تأمل كثيرًا في حال يوسف حينما أُخذ كأني أراه، وهم يريدون به شرًا ألقوه في البئر، ورجعوا إلى أبيهم باكين ليستحوذوا على قلب أبيهم، ونظره، ورعايته، واهتمامه بعد أن حجبوا يوسف عنه، ما دروا أنهم يقودونه إلى المجد بهذا العمل الذي أرادوا به إسقاطه، والقضاء عليه، فيذهب إلى المجهول كما يُقال، يعني: قد يُقتل، قد يُسترق، قد يُفعل به أي شيء، هم لا شأن لهم به، المهم أن يغيب، فإن قُتل فهو بغير أيديهم، فهم في الواقع كانوا يقودونه إلى المجد، إلى مجامع المجد، فآتاه الله النبوة، وصار هو العزيز، وجاء هؤلاء في حال من الاضطرار.

ولاحظ هذه القضايا التي احتفت بذلك، يأخذه العزيز إلى قصره، ويتربى في القصر، نعم هو مُسترق، خرج من البئر إلى الرق، ولكن تأتي المراودة؛ لتقوده إلى السجن، يعني من سجن البئر إلى سجن الرق، إلى سجن العزيز، أو سجن الملك، فوضعوه فيه، فقيض الله  الفتيين، وأراهما تلك الرؤية ليعرفوا قدره، ثم بعد ذلك جاءت رؤيا الملك؛ ليتذكر هذا الذي نجى منهما، فتكون هذه الرؤيا هي السبب في خروجه، وبروزه، ومعرفة قدره، بعد متى؟ بعد ماذا؟

بعد ما توقفوا، ورفعوا أيديهم، وقالوا: وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، سأل الملأ الكبار يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ [يوسف:43]، مُباشرة لو أعطى هذا الساقي الخاتم، وقال: ما تعرف أحد يُعبر قال: إلا في واحد، وسأله، وعبر له لم يكن لها شأن، لكن يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف:43]، فأعلنوا إفلاسهم أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ [يوسف:44]، على القولين في الآية هل يقصدون وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ [يوسف:44]، يعني: لا علم لنا، ولا بصر بتعبير الرؤى أصلاً، أو يقصدون أن هذه الرؤيا هي من قبيل الأضغاث، يحتمل، أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ [يوسف:44].

فعندها نطق، وتذكر ذاك، فجاءت هذه الرؤيا؛ لتُبرز، وتقود إلى هذا الوجه الذي خرج منه يوسف من الحبس، وعرفوا قدره، ومُباشرة خرج ليكون هو العزيز اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ [يوسف:55]، بعد ما خُير، وأُطلقت يده، ومُكن.

لاحظ، فلا تحزن لا تدري أين الخير، فقدر الله -تبارك وتعالى- مبني على العلم، والحكمة، ولو كُشف للإنسان عن صفحة الغيب، ونظر لعرف أن الله عليم حكيم وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]، وعسى -كما هي القاعدة- من الله واجبة، يعني متحققة الوقوع.

فهذا معنى كبير أيها الأحبة! يحتاج إلى تأمل، ونظر أن يستلهم المؤمن منه العِبر، وأن يكون مبنى النظر على ذلك في الحياة، والأقدار، وما يقع عليه، وعلى غيره فيطمئن، وتسكن نفسه، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ تعتذرين منها، هذه المرأة سيكون لها شأن كبير، طبعًا هذه المرأة هي المرأة الوحيدة التي ذُكرت في القرآن باسمها، الفاضلات كثير من أمهات المؤمنين خديجة، عائشة، سائر أمهات المؤمنين، بنات النبي ﷺ، صحابيات، نساء من خيار أهل الإيمان عبر القرون، والأجيال الماضية، لم يُذكر في القرآن اسم امرأة إلا هذه، وتكرر كثيرًا، وإذا ذُكر ابنها عيسى لم يكاد يُذكر إلا منسوبًا إليها، يعني الأنبياء يُذكرون بأسمائهم نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، ومحمد، عليهم الصلاة والسلام، بأسمائهم، وَإِذْ قَالَ مُوسَى [البقرة:54] لكن عيسى ابن مريم، تنويهًا بشأنها، وتذكيرًا بالمعجزة من نساء من العالمين.

وفي هذا يؤخذ عبرة، وهي أن المرأة الصالحة: إنما المجد الحقيقي هو فيما اختاره الله لها، انظر ما ذكره الله في سورة الأحزاب مثلاً: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا ۝ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:32-33] هذه الأوصاف الكاملة، فالمرأة يكون كمالها بتقواها، وصلاحها لا بمنافسة الرجال، والترجل، والخروج عن كرامتها، وحشمتها، وأنوثتها، وما إلى ذلك، المرأة تستطيع أن تصل إلى مراتب عالية لكن بماذا؟

أن تسلك الطريق الذي رسمه الله لها، هب أن امرأة حصلت أعلى الشهادات، وتقلدت أكبر الوظائف، ماذا تزن، وتساوي عند هذه المرأة التي ذُكرت في القرآن كثيرًا، وكانت مع ابنها آية للعالمين؟

فنقول للأخوات المؤمنات: الطريق هو تقوى الله ، وطاعته، والإيمان به، والخشية منه، والجد، والاجتهاد في التقرب إليه مع الحياء، والحشمة، والوقار، والقرار، ونحو ذلك، بقي في الآية، وقفات.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين -والله أعلم-.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا.

مواد ذات صلة