الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
سبب النزول صيغه ومكانه
تاريخ النشر: ٢٩ / ذو القعدة / ١٤٢٣
التحميل: 1731
مرات الإستماع: 1931

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:

فكان حديثنا في آخر ما تحدثنا عنه سابقا عن فوائد معرفة أسباب النزول، وبقي أن أقول: بأن معرفة هذه الفوائد ليس على وزان واحد من حيث الأهمية، فبعض هذه المعرفة أهم من بعض، فأحيانًا يتوقف المعنى على معرفة سبب النزول, وعلى الوقوف عليه، فلا تفهم الآية حتى تعرف سبب النزول، وهذا في هذه الحال يكون معرفة سبب النزول فيه في غاية الأهمية؛ لأن التفسير يتوقف عليه؛ ولأن فهم المعنى يتوقف عليه، وهذا له أمثلة متعددة منها:

أن الله قال: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا  [النور:33]، والبغاء معروف: مصدر باغت الجارية بغاء، فهي: بغي، يعني: إذا فجرت بأجرة، فهذه الآية لو بقينا مع ظاهرها: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33]، فمفهوم المخالفة: أنها إذا ما أرادت التحصن فلا مانع من إكراهها، فإذا كانت لا تريد العفاف، وليست بعفيفة، فلا مانع من إكراهها، وإنما الممنوع في ظاهر الآية: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33]، فالتي لا تريد تحصنا لا مانع من إكراهها على هذا العمل، أي: غير الشريفة، وهل هذا هو المعنى؟

الجواب: أبدًا، فإذا عرفت سبب النزول اتضح لك وجه هذا الشرط في الآية: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا، وهو: أن عبد الله بن أبي بن سلول، رئيس المنافقين، كان له جاريتان، فأسلمتا، فكان يكرههن على البغاء، وهن بعد الإسلام عرفن أن ذلك أمر محرم، وتباعدن عنه، فكان يضربوهن من أجل أن يتكسب -قبحه الله- بهذا العمل الشنيع، فالله أنزل هذه الآية بهذا السبب[1]، كما صح في الرواية؛ ليعالج واقعة حاصلة، وقعت من بعض الناس، وإن كان المعنى أعم من ذلك، فلا يجوز لها أن تفعل هذا الفعل، ولا يجوز لوليها أو لسيدها أن يسمح لها، سواء كانت تريد التحصن أو لا تريد التحصن، لكن لماذا قال: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا؟ لأن هذا يتناسب مع الواقعة التي نزل القرآن ليعالجها، فسبب النزول يبين المعنى هنا.

خذ مثالاً آخر: الله يقول في سورة البقرة: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، ما معنى هذا الكلام؟ هل هناك أحد يأتي البيت من ظهره؟ ما معنى هذا التوجيه الرباني؟  وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، ما معنى هذا الكلام؟ فهذا قد لا يفهم الإنسان المراد منه إلا إذا عرف سبب النزول، وهو: أن بعض الأحياء من أحياء العرب، أو من أهل المدينة، كان الواحد منهم إذا أحرم بالحج أو العمرة يرى ديانة أن من محظورات الإحرام: أنه لا يدخل بيتًا من بابه، فما كانوا يستظلون أصلا بسقف، وإنما إن كانت له حاجة عرضت، فيتسور من وراء الجدار، حتى يأخذ حاجته، فالله يقول: هذا ليس هو البر الذي يتقرب به إلى الله ، أنكم تتسورون البيوت من ظهورها، ولا تدخلون من الأبواب تقربًا إلى الله ، فالله لا يتقرب إليه بهذا، وإنما البر التقوى، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189][2]، فهذا الذي يقرأ الآية قد لا يفهم المعنى إلا إذا عرف سبب النزول.

وهكذا ما ذكرنا سابقا في قوله: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، فظاهرها أن الطواف، يعني: السعي بين الصفا والمروة أمر مرفوع فيه الحرج، إذن هو: ليس بلازم، كما فهم عروة بن الزبير، فبينت له عائشة سبب نزول الآية[3]، فهذا هو القسم الأول الذي يتوقف عليه التفسير.

القسم الثاني هو: حوادث ووقائع حصلت، فسَبَّبَ ذلك تشريعات قررها الله في كتابه واضحة بينة، فهي بحد ذاتها في القرآن واضحة مشروحة، سبب النزول إذا عرفته لا يؤثر في الحكم شيئًا، ولا يزيدك وضوحًا على ما في كتاب الله ، الأمر واضح في القرآن مشروح، فلو لم نعرف سبب النزول لم يقع لنا أي إشكال، فإذا عرفنا سبب النزول، فيكون هذا من باب زيادة العلم فقط، مثاله:

قصة عويمر العجلاني لما قذف امرأته[4]، وكذلك هلال بن أمية لما قذف أمرأته[5]، ولعل الواقعتين بينهما تقارب، فنزلت الآية بعد الواقعتين، وذلك حينما جاء ورمى امرأته، فقال له النبي ﷺ: البينة أو حد في ظهرك[6]، يعني: يحضر أربعة شهود بالشهادة المعروفة، أو حد، وهو: ثمانون جلدة، فأنزل الله وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6]، الآيات في اللعان، فهذه لو وقفنا مع الآيات فقط، وما عرفنا سبب النزول، هل يقع فيه إشكال في معنى الآيات؟

الجواب: لا، فسبب النزول إذا عرفته فهو من باب زيادة العلم، لكن المعنى لا يتوقف عليه، ولا يحصل لك إشكال في المعنى بسبب جهلك فيه بمعرفة سبب النزول، فهذا النوع معرفته ليست أصلية، وليست ضرورية.

ومن أمثلته: أن كعب بن عجرة لما كان القمل يتساقط على وجهه من كثرته، وكان محرمًا مع النبي ﷺ، فلما رأى النبي ﷺ ما به، نزلت فيه هذه الآيات:فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، يقول: كعب بن عجرة : هي خاصة لي، ولكم عامة[7]، فلو أننا لم نعرف قصة كعب بن عجرة ، والله قال:  فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، افترض أننا ما سمعنا سبب نزول الآية، ماذا نفسر الآية؟ سنقول: من كان به أذى من رأسه من قروح يحتاج معها إلى إزالة الشعر، إلى حلقه، مثل: تنفط الجلد بسبب إحراق الشمس، أو غير ذلك، أو هوام في الشعر، كهذا الذي وقع لكعب بن عجرة، لأن الله قال: أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، فيصدق على كل أذى، ولو لم نعرف سبب النزول، فهذا النوع إذن: ليس من الضروري أن يعرفه المفسر، أو طالب العلم؛ لكنه يفيد في الجملة بيان رحمة الله ، وتوسعته على المكلفين، وما شابه ذلك.

ويلحق به أيضًا: حوادث كثيرة جدًا، أنزل الله بها آيات، حكمها عام، جاء الله بها في سياق عام، فقد يتوهم من نزلت فيه الآية: أن هذا الموضوع يخصه، بينما يؤخذ عموم الآية، وهو: واضح المعنى، وإن لم نعرف السبب، مثل: الرجل الذي لقي امرأة، وقارف معها بعض ما لا يليق، مما لا يوجب الحد، فندم، وجاء إلى النبي ﷺ وأخبره، فأنزل الله وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114][8]، فلو لم نعرف سبب النزول؛ لبقي الحكم واضحًا، فمن قارف شيئًا من السيئات، فعليه أن يتبعه بالحسنات مع التوبة،  وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ  [هود:114]، وأمثلة ذلك كثيرة.

ومنها: ما أخرجه البخاري -رحمه الله- في صحيحه، في قوله -تبارك وتعالى:  إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً  [آل عمران:77] الآية، قال ابن مسعود : قال رسول الله ﷺ: من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان[9]، فأنزل الله تصديق ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً [آل عمران:77] الآية، فدخل الأشعث بن قيس في هذه الأثناء، وابن مسعود قد حدث أصحابه بهذا الحديث، فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟! ماذا قال لكم؟! فقالوا: كذا وكذا، قال: فيَّ أنزلت، لي بئر في أرض ابن عم لي...، إلى آخر ما ذكر[10].

فابن مسعود حملها على العموم: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً، والنبي ﷺ يقول:من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، فالحديث مطابق للآية، وكون الأشعث بن القيس وقعت له قصة مع ابن عمه، فحلف ذاك، فنزلت الآية... إلى آخره، فهذا لا يؤثر في معرفة المعنى، ولا يغير من الحكم شيئًا، لا بتخصيص، ولا بتقييد، ولا برفع إشكال بوجه من الوجوه.

وقسم آخر وهو: ما يذكره السلف ويعبرون عنه بقولهم: نزلت هذه الآية في كذا، ولا يقصدون به سبب النزول في الغالب، وسيأتي الكلام عليه عند الكلام صيغة سبب النزول، يقولون: نزلت هذه الآية في كذا وكذا...، نزلت في الرجل يعمل كذا وكذا...، ولا يقصدون سبب النزول، يعني: نزلت في هذا المعنى، أن هذا مما يدخل في عموم الآية، وإن لم تكن نزلت فيه، يعني: مثال ذلك: ابن عمر مر بسوق المدينة، فأذن المؤذن، فرأى الناس يغلقون حوانيتهم، فقال: في هؤلاء نزلت: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ [النور:37][11]، والآية نازلة قبل ذلك بكثير، ولم تنزل في هؤلاء، ليسوا هم سبب النزول، وإنما يقصدون: أنهم مما يدخل في عمومها، فالسلف كثيرًا ما يعبرون بهذا التعبير، يقولون: نزلت هذه الآية في كذا، ولا يقصدون سبب النزول، وهذا كثير، ومثل هذا أيضًا لا يتوقف عليه فهم المعنى، ولا يرتفع به الإشكال.

ومن أمثلته أيضًا: ما أخرجه البخاري في صحيحه، في الرواية التي ذكر فيها نزاع الزبير بن العوام مع الرجل الأنصاري في شراج الحرة، مسيل الماء، فكان يأتي الماء، السيل، المطر من هذا المسيل، يأتي إلى مزرعة الزبير بن العوام أولاً، ومزرعة الأنصاري خلفه، فالأنصاري منزعج، يريد أن الماء يمر مرورا على مزرعة الزبير، ثم لا يحبسه حابس، فينطلق مباشرة إلى مزرعته، فالنبي ﷺ أرشد الزبير إلى أن يسقي، ثم يرسل الماء إلى جاره، فغضب الأنصاري، وقال: أَنْ كان ابن عمتك يا رسول الله، يعني: لأنه ابن عمتك حابيته، مع أن النبي ﷺ رفق بالأنصاري، وإلا فمن حق الزبير أن يحبس الماء حتى يكتفي تماما، فالنبي ﷺ قال له: اسق، ثم أرسل الماء إلى جارك، أي: لا ضرر ولا ضرار[12]، فغضب النبي ﷺ، وقال للزبير: اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الجدر، أي: أن هذا من حقك، لكنه ما ذكره للزبير أولاً رفقًا بالأنصاري، فلما أساء الأدب الأنصاري، ذكر النبي ﷺ الحق الثابت للزبير، فماذا حصل؟ يقول: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65][13]، نزلت في ذلك، يعني: هذا مما يدخل في معناها، وليس هذا هو سبب النزول.

القسم الرابع وهو: مما يحتاج إليه، وإن كان لا يتوقف المعنى تمامًا عليه، يعني: هو دون الأول، لكن يبقى بعض الغموض، وبعض الإشكال، فإذا عرف سبب النزول انجلى هذا الإشكال، فهذا مما نحتاج إلى معرفته.

مثاله: الله يقول: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، ما معناها؟ قد يفهم منها فاهم معنى لم يرده الله ، ويحتج بها على فعل لا يجوز، والمقصود واضح، فالله يقول:  فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، لكن إذا عرفت سبب النزول، وهو: أن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى امرأته مدبرة، يعني: في موضوع الولد، جاء الولد أحول، فكذبهم الله ، فقال: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223][14]، يعني: كل ذلك في محل الحرث، وأما غيره فلا يجوز، فهذا يزول به الإشكال، لكن لا يتوقف فهم المعنى عليه، وبهذا نكون انتهينا من هذه القضية.

بقي أن نعرف مسألة أخرى، وهي: كيف نعرف سبب النزول بلا مبالغة؟ فإذا نظرت في كتب التفسير، وقد استغرب هذا بعض الإخوان، تجد أنهم يذكرون أشياء من غير روايات، يقولون: سبب نزول الآية كذا وكذا وكذا، أشياء يأتون بها، لا أدري من أين جاؤوا بها، لا يوجد فيها رواية، وقد رأيت ابن عاشور -رحمه الله- في أول تفسيره يبدي امتعاضه من ذلك، من كثرة ما يذكره بعض المفسرين، ويقولون: سبب نزول هذه الآية كذا، من غير أن يكون هناك رواية أصلا في الموضوع، فهذه مشكلة.

هل نعرف أسباب النزول عن طريق الحدس، أو الاجتهاد، أو النظر، أو الاستنباط؟

الجواب: لا، لا يمكن أن نعرف سبب النزول إلا بشيء واحد فقط، ما هو هذا الطريق؟ هو: النقل، النقل عن من؟ عن من شاهدوا التنزيل، وهم الصحابة، هم الذين يحكون لنا، ويقولون: حصل كذا، سأل رجل، فعل فلان كذا، فنزلت الآية، فهذا هو الطريق الوحيد لمعرفة سبب النزول.

إذا نقل لنا من لم يشاهدوا التنزيل رواية، مثل: التابعين، فهل يكون ذلك مقبولاً؟

الجواب: أن هذا من قبيل المرسل، وهو: نوع من أنواع الضعيف؛ لأن الواسطة غير معلومة، فقد يكون روى عن صحابي، وقد يكون روى من تابعي آخر، المقصود: أن حكم هذا هو حكم المرسل.

كيف يحصل هذا للصحابة ؟ يحصل لهم بقرائن وبأمور في معايشتهم للنبي ﷺ.

ومما ينبغي أن يعلم أيضًا في هذا الباب: باب أسباب النزول، مسألة: وهي سبب النزول هل هو من قبيل، أو يأخذ حكم الحديث المرفوع، أو أنه يأخذ حكم الحديث الموقوف، أو الأثر الموقوف، يعني: من قول الصحابي؟ فالذي يحدثنا بأسباب النزول ليس النبي ﷺ، وإنما الصحابة عادة، فهل نحكم على هذه الرواية: أنها من قول الصحابي فتكون موقوفة؟ -وموقوفة يعني: قول صحابي، أو نقول: إنها من قبيل المرفوع؟ يعني: لها حكم ما يسند إلى النبي ﷺ؟ فما حكم سبب النزول؟

الجواب: ننظر إلى الصيغة، فإن كانت صريحة حكمنا له بحكم الرفع، وسيأتي معنا الصيغة الصريحة بعد قليل إن شاء الله تعالى، فسبب النزول الذي جاء بصيغة صريحة له حكم الرفع، وما جاء بصيغة غير صريحة، فليس له حكم الرفع، على خلاف في هذا النوع، فبعضهم يجعله في قسم المرفوع أيضًا، وبعضهم لا يجعله.

صيغة سبب النزول:

ما هي الصيغ التي ترد فيها أسباب النزول في الروايات التي يعبر بها الراوي؟ نقول: هي: على قسمين:

قسم صريح، وهو: أن يقول الراوي، الصحابي يعني مثلاً، يذكر قصة، أو واقعة، أو سؤال، أو حادثة، أو نحو ذلك، ثم يقول: فأنزل الله كذا وكذا، أو يقول: فنزلت هذه الآية، يعني: يعقب الواقعة أو السؤال بقوله: فنزلت، أو فأنزل الله، أو يقول: سبب نزول الآية الفلانية كذا وكذا، فهذا يكون من قبيل الصريح، وله حكم الرفع إلى النبي ﷺ؛ لأنه لا يحتمل أن يكون من قبيل التفسير من الصحابي حتى نحكم له أنه من قول الصحابي، لا، فنقول: هذا سبب نزول لقضية تتعلق بنزول الوحي على النبي ﷺ إلى آخره، فهذه لها شأن، فنلحقها بأحاديث رسول الله -ﷺ، أو بالأحاديث المرفوعة، فلها حكمها.

القسم الثاني وهو: غير الصريح، وهو: ما يعبرون عنه بقولهم: نزلت هذه الآية في الرجل يفعل كذا وكذا، نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، نزلت هذه الآية مثلا، أو في هؤلاء نزلت:  رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37][15]، مع أن الآية نازلة قبل بسنين طويلة، يعني: أن هذا مما يدخل في عمومها ومعناها، فغير الصريح ليس له حكم الرفع، وأما الصريح فهو: في حكم المرفوع.

نعطيكم مثالا على غير الصريح: أخرج البخاري من حديث حذيفة بن اليمان  في قوله تعالى:وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، قال: نزلت في النفقة[16]، هل هذا صريح أو غير صريح؟ هذا غير صريح، قال: نزلت في النفقة، يعني: أن مما يدخل في معناها: النفقة، وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، قال: نزلت في النفقة.

مثال آخر: أخرج البخاري أيضًا من حديث نافع، عن ابن عمر -ا: أنه كان إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، يقول: فأخذت عليه يومًا، فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان؛ قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا، قال: أنزلت في كذا وكذا، ثم مضى[17]، يعني: ليس بسبب النزول، وإنما مما يدخل في معناها.

وهنا تنبيه لابد منه: وهو أن هذه الرواية التي نقول: إنها وردت بصيغة صريحة؛ قد نجدها إذا استقرأنا الروايات أحيانًا في بعض المواضع غير صريحة، فلو جمعنا الروايات أحيانا نكتشف أنها في بعض الروايات جاءت بطريقة غير صريحة، بل أحيانًا قد تأتي في أول الرواية صريحة، وفي آخرها بصيغة غير صريحة، أو العكس، ولهذا نحن نقول: إن هذا هو الغالب، أنه إذا قال: سبب نزول هذه الآية كذا، أو يذكر الحادثة، ثم يقول: فنزلت هذه الآية، الغالب أن هذا هو: سبب النزول، وليس مقصوده التفسير، هذا الغالب، لكن قد يكون الأمر على خلاف ذلك، ونحن نعرف أن كل قاعدة لها شواذ، فالقواعد أغلبية، هذا غاية ما يقال في هذا الأمر.

نعطيكم مثالا على ما ورد فيه الأمران، يأتيك في بعض الرواية بصيغة صريحة، في نفس الرواية، وفي الموضع الثاني بصيغة غير صريحة، مثاله: أثر ابن عمر السابق، الذي قال فيه: نزلت في كذا وكذا، يقصد الآية: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223][18]، فهذا الأثر جاء في موضع آخر بصيغة صريحة، وهي: قضية واحدة، فهذا في روايتين.

أما في نفس الرواية، فخذ هذا المثال، وهو: ما أخرجه البخاري في صحيحة، عن البراء في قوله -تبارك وتعالى:  وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا  [البقرة:189]، قال: نزلت هذه الآية فينا، هل هذا صريح أو غير صريح؟

غير صريح، لو بقينا معه؛ لقلنا هذا من قبيل التفسير، وليس من قبيل سبب النزول، قال: نزلت هذه الآية فينا، ثم قال: كان الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه، فكأنه عُيّر بذلك، فنزلت: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا [البقرة:189][19]، قوله: فنزلت، بعد ذكر الواقعة، هذا يكون من قبيل الصريح، وأنه في نفس الرواية، في أولها غير صريح، وفي آخرها صريح.

نعطيكم مثالاً على الصريح فقط، وقد أعطيناكم أمثلة على غير الصريح، وعلى ما اجتمع فيه الأمران في رواية واحد، أو جاء في روايتين لنفس الحديث، فالمثال على الصريح: ما أخرجه البخاري، من حديث البراء قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله:  عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة:187][20]، فقوله: فأنزل الله، هذا من قبيل الصريح.

مسألة أخرى في النزول وأسباب النزول، وهي: فائدة مليحة، وهي: أحيانا تنزل الآية أو الآيات قبل الحكم، ولا أقصد بالحكم الحلال والحرام، وإنما أقصد: المعنى، أو القضية، أو الواقعة، أو الأمر الذي ترتبط به الآية، وتتحدث عنه، حتى لو كان حدثًا تاريخيًا، فأحيانا تنزل قبله الآيات، ويحصل هو بعد مدة، وأحيانا تنزل معه، وأحيانا يشرع الحكم، أو تحصل واقعة، فتنزل الآيات بعد ذلك.

نعطيكم مثالا على ذلك، ما نزل مع تشريع الحكم، وهذا كثير، مثل: تحريم الخمر،إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، لما نزلت هذه الآية نزل معها مباشرة تحريم الخمر، بل كانت هذه الآية تحمل حكمًا، وهو: تحريم الخمر، فما حرم الخمر قبل ذلك، ولا حرم بعد نزول هذه الآية بفترة، وإنما نزل الحكم بهذه الآية، فالآية كانت تحمل هذا الحكم الشرعي.

ومثل أيضًا: فرض الصيام، يقول تعالى:شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، وقوله -تبارك وتعالى:  كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ  [البقرة:183]، متى فرض الصوم؟ لما نزلت هذه الآيات، فهذا مع تقرير الحكم، الآية تنزل تحمل حكما يطبق مباشرة.

وأما الصورة الثانية، وهي: ما نزل قبل تقرير الحكم، فهذا له أمثلة، وإن كانت هذه الأمثلة بعضها يحتاج إلى مناقشة، ونحن في الأمثلة نوسع المجال، فلا نضيق في المثال؛ من أجل أن يتضح المعنى فقط؛ فهي معتبرة على قول بعض العلماء، فمن ذلك: الله يقول: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ۝ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1-2]، ما المعنى؟

لها أكثر من معنى عند المفسرين، لكن المعنى المشهور:  لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، يعني: مكة، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ، حِلّ: ليس حال، أي: نازل، وإنما من الإحلال، أي: الحِل ضد الحرمة، أي: أنك حلال، وهذه الآية من سورة البلد متى نازلة؟ نزلت والنبي ﷺ مستضعف في مكة، فالآية تشير إلى قول النبي ﷺ: أحلت لي ساعة من نهار[21] قاله ﷺ في أواخر حياته، في عام الفتح، مع أن سورة البلد مكية،  لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ۝ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ، يعني: مكة، وحل يعني: حلال، أي: أنها ستحل لك في يوم من الدهر، فأحلت له في أواخر حياته ساعة من نهار، فالآية نازلة قبل الحكم الذي يتعلق بها، ما حصل بعد.

وكذلك في قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ  [القمر:45]، عمر يقول: في مكة نزلت هذه الآية، وأنا أقول: أين جمع؟ وأين الدبر الذي يولونه؟ لأنهم في مكة كانوا مستضعفين، فمن الذين سيولون الدبر؟ ومن الجمع؟ فالمسألة فيها جيوش، وهم كانوا أفراد في مكة، فسيكون هناك لقاء، وسيكون فرار، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر:45]، يقول: فما فهمتها حتى رأيت النبي ﷺ يثب يوم بدر بالدرع، عليه الدرع، وهو: سربال من حديد، ثوب من حديد معروف ذو حلق، يثب في درعه ﷺ وهو يردد هذه الآية:  سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، يقول: ففهمتها[22]، فالآية نزلت في مكة، وكانوا أفرادا مستضعفين، فهذا مما نزل قبل تقرير حكمه، والحكم لا نقصد به: الحلال والحرام، والأمر والنهي، لا، وإنما متعلق ذلك.

وله أمثلة أخرى، لا بأس أن أذكر لكم منها على سبيل الفائدة، الله يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ۝ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، فهذه السورة مكية قطعًا، فقوله:  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، المعنى الأقرب في تزكى: زكى نفسه بالإيمان والتقوى وطاعة الله ، ومتابعة الرسول ﷺ،  وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، أي: ذكر اسم ربه وصلى الصلوات المفروضة، وغير المفروضة، فهذا الذي يفلح، لكن هناك معنى آخر ذكره بعض أهل العلم، وكأن شيخ الإسلام بنى عليه بعض الاستنباطات في بعض المواضع، وإن كان هذا المعنى فيما أظن معنى مرجوحًا، لكن للفائدة أذكره، وقد ذكره جماعة كبيرة من السلف، وهو: أن معنى قوله:  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، أي: أخرج زكاة الفطر، صدقة الفطر، أي: في عيد الفطر، وقوله:  وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، قالوا: إشارة إلى التكبير وهو خارج إلى العيد، فَصَلَّى أي: صلاة العيد، مع أن ذلك لم يشرع في مكة، ففي مكة ليس هناك صدقة فطر، ولا صلاة عيد، ولا تكبير في الخروج إليها، ولا شيء من هذا، فقالوا: هذه الآية تشير إليه، ولم يشرع إلا في المدينة، وهذا قال به كثير من السلف، ولولا كثرة من قال به ما ذكرته، وإن كان المعنى الراجح هو الأول، لكن هذا يوضح لك هذه القضية التي ذكرتها.

مثال أوضح من هذا كله، الله يقول في سورة المزمل: وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المزمل:20]، فهذه الآية نزلت في أول ما نزل، وما آمن إلا أفراد قد لا يزيدون على أصابع اليد الواحدة، فأين الذين يقاتلون في سبيل الله؟ بل فرض في المدينة، فهذه الآية تشير إلى أمر وقع بعد ذلك بمدة طويلة.

وهذا مثال على ما نزل بعد تقرير الحكم: ما أخرجه البخاري -رحمه الله- في صحيحه، من حديث عائشة -ا- قالت: "خرجنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، وهو: مكان، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله ﷺ على التماسه، يعني: بقي يبحث عنه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء..."، إلى أن قالت: "فقام رسول الله ﷺ حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم: فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، الآية التي في المائدة"، إلى آخر الحديث[23].

فهذه الآية ذكر فيها الوضوء، إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ، فذكر فيها الوضوء، وهي نزلت متأخرة، في سورة المائدة، وسورة المائدة من أواخر السور نزولاً، فهل معنى ذلك: أنهم كانوا يصلون من غير وضوء طوال تلك المدة في مكة وفي المدينة؟

الجواب: لا، بل الوضوء فرض قبل ذلك بكثير، ولكنه لم يرد في القرآن، فجاءت الآية التي تبين الوضوء وتشير إليه متأخرة بعد ذلك.

يقول ابن عبد البر -رحمه الله: "معلوم عند جميع أهل المغازي أنه ﷺ لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند"[24]، فأنزلها الله ليكون حكمها متلوًا مع كونه مفروضًا، والمقصود: أن الآية نزلت بعد تقرير الحكم بمدة طويلة.

وخذ مثالاً آخر: الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فهل هذه السورة مكية أو مدنية؟ هذه السورة مدنية، ومتى فرضت صلاة الجمعة؟ فرضت بمكة، ولم يصلها النبي ﷺ بمكة، لكنه أمر مصعب بن عمير ، فأقامها للناس في المدينة[25]، ثم صلاها النبي ﷺ بعدما هاجر، لكنه لم يستطع في مكة أن يصلي الجمعة؛ لأنه كان مستضعفًا، فإذن: آية الجمعة نزلت في سورة مدنية؛ مع أن حكم الجمعة قد شرع وفرض قبل ذلك في مكة.

ومن المسائل التي يحسن معرفتها أيضًا في هذا الموضوع أسباب النزول: أن النزول أحيانا قد يتكرر، وقد يُسْتَغْرَب من هذا، لكن سأعطيكم شيئًا لا يكابر فيه أحد: أن القرآن كان ينزل على حرف واحد في مكة، وهو: حرف قريش، واستمر على ذلك عشر سنين، ثم نزلت باقي الأحرف الستة في المدينة، وهذه الأحرف الستة، ووجوه المغايرة فيها، موجودة في ضمن الآيات المكية أيضًا، فما معنى هذا الكلام؟

معناه: أن جبريل صار ينزل مرة ثانية بالآية التي تقرأ بأكثر من وجه، أو جاءت بحروف متنوعة، صار ينزل بها مرة ثانية، وهذا قطعًا لا يستطيع أحد أن يعترض على هذا، وإن اعترض من اعترض على بعض الأمثلة الأخرى، فالآية قد تنزل مرة ثانية تأكيدًا لمضمونها، أو ليبين لهم أن الحكم الذي أشكل عليهم، أو الذي هم بصدد اتخاذ موقف في هذه القضية، هو: نفس حكم ما سبق في القضية الفلانية، أو مما نزل في الآية الفلانية، وهذا له أمثلة كثيرة جدًا، نعطيكم منها مثالين:

الله يقول:  الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ  [الروم:1-2]، وصح عند الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت:الم [الروم:1]، إلى قوله:  وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ [الروم:4]، ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس[26]، هذا بإسناد صحيح عند الترمذي وغيره، هذا في يوم بدر، لما تغلب الروم على الفرس.

وهناك رواية أخرى مشهورة جدا، أشهر من هذه الرواية، وهي: من حديث ابن عباس -ا، في قصة الرهان المشهورة التي وقعت بين أبي بكر الصديق ، وبين بعض المشركين؛ لما تغلبت الفرس على الروم، والنبي ﷺ في مكة قبل الهجرة، ففرح المشركون بذلك؛ لأن الفرس من الوثنين، والروم من أهل الكتاب، فتفاءلوا بهذا، وقالوا: نحن سنغلبكم كما غلب إخواننا من الوثنيين، كما غلبوا أهل الكتاب، فأنزل الله الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ۝ فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم:1-4]، فقالوا: تقول:  فِي بِضْعِ سِنِينَ، فتراهنوا مع أبي بكر ، فقالوا: ننظر أتصدقون أو ما تصدقون؟ فتراهن معهم أبو بكر في القصة المشهورة[27]، فحصلت هذه الغلبة في يوم بدر، فأنزل الله  مرة ثانيه: الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ، فكم مره نزلت هذه الآية؟ نزلت مرتين، مرة لما افتخر المشركون في مكة، ومرة لما تحقق الوعد بانتصار الروم على الفرس.

نعطيكم مثالاً آخر، في قوله -تبارك وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85]، الآية التي في الإسراء، أخرج الشيخان البخاري ومسلم، من حديث ابن مسعود قال: "كنت أمشي مع النبي ﷺ في حرث بالمدينة، في مزرعة، وهو: يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم: سلوه، وقال بعضهم: لا تسألوه، فإنه يسمعكم ما تكرهون، فقالوا: يا أبا القاسم! حدثنا عن الروح، فقام النبي ﷺ، ورفع رأسه إلى السماء، قام النبي ﷺ ساعة، وجلس ينتظر فترة، ورفع رأسه إلى السماء، يقول ابن مسعود: فعرفت أنه يوحى إليه، حتى صعد الوحي"، ثم قال: الروح من أمر ربي[28]، هذا كان في المدينة.

وعندنا رواية ثانية صحيحة: عند الترمذي، من حديث ابن عباس -ا- قال: "قالت قريش لليهود، وهذا في مكة: اعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه عن الروح، فأنزل الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي"[29]، فهذه في مكة، وتلك في المدينة، فماذا نقول؟

نقول: الآية نزلت مرتين، بسببين، مرة سأله في مكة المشركون، فنزلت الآية، ومرة سأله بعض اليهود في المدينة، فنزلت الآية.

وهنا مسألة أخرى تتعلق بهذا الباب: أسباب النزول، وهي: أن السبب قد يكون واحدًا، وتنزل أكثر من آية، وليست آية واحدة تنزل، وليست أكثر من آية تنزل سردًا في موضع واحد من القرآن، لا، بل آيات من سور، بسبب واقعة واحدة، فهي: واقعة واحدة تنزل بسببها آيات في سور شتى.

مثاله: ما أخرج الترمذي، وجاء في روايات كثيرة جدا صحيحة، من حديث أم سلمة -ا- قالت: "يغزو الرجال، ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث"، فأنزل الله -تبارك وتعالى، وهذا يرد به على الذين يثيرون هذه القضايا، لماذا المرأة لها نصف الميراث؟ لماذا لابد من المحرم؟ لماذا لابد من الولي؟ وهكذا، فأنزل الله: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]"، يقول الترمذي: قال مجاهد: "فأنزل فيها: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [الأحزاب:35]"[30]، فالآية الأولى:  وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]، من سورة النساء، وإِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [الأحزاب:35]، من سورة الأحزاب.

وأيضًا: أخرج الترمذي -رحمه الله تعالى- عنها قالت: "يا رسول الله! لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة، فأنزل الله -تبارك وتعالى:  أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195] الآية من سورة آل عمران"[31].

وعند الحاكم عنها قالت: "قلت: يا رسول الله! الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء، فأنزل الله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [الأحزاب:35]، في الأحزاب، وأنزل: أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195]، في آل عمران"[32].

وعندنا صورة ثانية عكس هذه، وهي: أن يحصل أكثر من سبب، وهذا مهم، أن يحصل أكثر من سبب وتنزل آية واحدة.

مثاله: أن النبي ﷺ ورد عنه في عدد من الروايات الصحيحة، في قصة التحريم، في سورة التحريم، في سبب نزول صدرها، في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، صح في بعض الروايات: أن النبي ﷺ حرم على نفسه العسل، في القصة المشهورة، وهي: أنه كان يطوف على نسائه بعد صلاة العصر، وكان يمر على زينب فتسقيه عسلا، فغارت منه بعض أزواجه، فاتفق هؤلاء الأزواج، أو بعض الأزواج، أن يقلن له كلما دخل على واحدة، أن تقول له: إني أجد منك ريح مغافير، وهو: طعام له رائحة معينة غير مستساغة، والنبي ﷺ كان يشق عليه أن يوجد منه الريح، يعني: ريح طعام، أو نحو ذلك، فكان يشق عليه ذلك، ورائحته أطيب الرائحة ﷺ، فقال: إنما هو عسل شربته عند زينب، فقالت: لعل نحله جرست العرفط، وهو: نبت له رائحة، ومعروف أن النحل إذا امتص رحيق بعض الأزهار، أو نحو ذلك، يظهر في العسل رائحة هذه الأزهار التي امتصها، ثم ذهب إلى الثانية، فقالت: إني أجد منك ريح مغافير، فقال: هو عسل شربته عند زينب، فقالت: لعل نحله جرست العرفط، فحرمه النبي ﷺ على نفسه، وهن لا يريدن منه أن يذهب يشرب عندها العسل، فهن لا يردن ذلك، أن يشرب عندها العسل، فحرمه النبي ﷺ على نفسه، فأنزل الله :  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1][33].

وصح أيضًا في بعض الروايات، وهو: أشهر، أن ذلك بسبب جارية النبي ﷺ، لما جاءت عائشة -ا، واحتجت على النبي ﷺ، وقالت: في يومي، وفي بيتي، لما وقع على جاريته، فحرمها النبي ﷺ على نفسه، فأنزل الله هذه الآية[34].

ومن أمثلته المشهورة المعروفة، ما ذكرته سابقا، عن عويمر العجلاني، لما جاء وأخبر النبي ﷺ بما وقع له، لما قذف امرأته[35].

وكذلك هلال بن أمية لما جاء وقذف امرأته أيضًا[36]، كل واحد منهم جاء إلى النبي ﷺ على حدة، وإذا نظرنا إلى الروايات الواردة في هذا نجد أن بعد كل واحدة منها: فنزلت الآية، أو فأنزل الله فيه، وذكر آية اللعان: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ [النور:6]، فماذا نقول؟ نقول: هذه القصص متقاربة، نزلت هذه الآية بعدها جميعا، فكل ذلك سبب لنزولها.

وهنا مسألة، وهي: أهم هذه المسائل، وأنفعها، وهي: في كثير من الكتب التي تذكر الآثار والروايات، سواء في أسباب النزول خاصة، أو في كتب التفسير، نجد عددًا من الروايات والأخبار في سبب نزول الآية، وهي: أخبار متنوعة، في قصص مختلفة، فما هو سبب النزول يا ترى؟ بعض الناس قد يقول: وقد ورد فيها خمسة أسباب في النزول، الأول: كذا، والثاني: كذا، والثالث: كذا، وهذا في الواقع نوع من العبث، وليس هذا درسًا في التفسير، فإذا وجدنا روايات كثيرة متعددة، أكثر من رواية، فماذا نصنع؟ نقول: نتبع الخطوات الآتية:

أولاً: أول ما ننظر إلى الثبوت، فالروايات الضعيفة نستبعدها، ثم ننظر بعد ذلك إلى الصيغة، وعرفنا أن أسباب النزول منه: ما يكون بصيغة صريحة، ومنه: ما ليس بصيغة صرية، فما كان بصيغة غير صحيحة، كالذي يقولون فيه: نزلت هذه الآية في كذا، يستبعد، فهذا من قبيل التفسير، فما الذي يبقى عندنا الآن؟ الصحيح الصريح، فإذا اجتمع عندنا هذا الصريح الصحيح، فماذا نصنع؟ ننظر: هل الحوادث هذه متقاربة، فإن كانت متقاربة حكمنا بأن الآية نزلت بعد هذه الحوادث، كما ذكرنا في قصة اللعان قبل قليل، وإذا كانت الحوادث متباعدة حكمنا بتكرار النزول، وانحلت المشكلة، وبهذا لا نحتاج أن نقول: وقد ورد فيها كذا رواية، في سبب النزول، ونسردها ونمشي، لا، وإنما نفصل فيها، ونجريها على هذا الترتيب، ثم بعد ذلك يتلخص لنا في النهاية تحريرًا يحسن أن يقال عند الكلام عن سبب نزول الآية.

نعطيكم أمثلة وتطبيقات على هذا، نعطيكم مثالاً على ما كان فيه بعض الروايات صحيحا، وبعضها غير صحيح، ما اجتمع فيه الضعيف والصحيح، وكله صريح في الصيغة، كيف نستخرج سبب النزول؟

الله يقول: وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ۝ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3]، اضبطوا لي هذه الروايات، أو على الأقل: الراوي وموضع الشاهد، أخرج الشيخان من حديث جندب بن سفيان قال: "اشتكى رسول الله ﷺ، فلم يقوم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأه، فقالت: يا محمد! إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2]"[37]، ما تقولون في صحة هذه الرواية؟ هذه في الصحيحين، وهل هي صريحة أو غير صريحة؟ صريحة، فهذه لا نستطيع أن نستبعدها، بل نبقيها.

وعندنا روايات أخرى غير هذه: فعند الطبراني بإسناد ضعيف، في سبب نزولها: أن الوحي أبطأ، فجبريل وعد النبي ﷺ وما جاء، فالنبي ﷺ قال: ما حدث في بيت رسول الله ﷺ، وأمر الجارية أن تخم الدار، أي: تكنسه، فأدخلت المكنسة تحت السرير، فوجدت جروا قد مات، -والجرو هو: الكلب الصغير، فأخرجته وألقته، فجاء جبريل، فسأله النبي ﷺ عن سبب التأخر، فأخبره أن السبب هو: هذا الجرو، وقال:إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة[38]، وحديث: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة[39]، حديث صحيح ثابت، لكن في قصة سبب النزول، لما أخبره أنه لم يدخل بسبب هذا الجرو، هذه القصة ضعيفة، فهذه الرواية لا تصح، وهي: عند الطبراني، فالحاصل: أن الصيغة صريحة، ولكن الرواية غير صحيحة، فهذه تستبعد.

وسبب ثالث: عند ابن جرير الطبري، من طريق ضعيف، عن ابن عباس: "لما نزل على رسول الله ﷺ القرآن، أبطأ عنه جبريل أياما، فتغير بذلك، فقالوا: ودعه ربه وقلاه، فأنزل الله تعالى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3]"[40]، فهذه ضعيفة.

وعندنا رواية أخرى: فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي ﷺ، وأحزنه، فقال: لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني، يعني: جبريل جفاني، فجاء جبريل بسورة:  وَالضُّحَى[41]، وهذه رواية ضعيفة.

ورواية أخرى، وهي: "فتر الوحي، فقالوا: لو كان من عند الله لتتابع، ولكن الله قلاه، فأنزل الله:وَالضُّحَى [الضحى:1]، أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ  [الشرح:1]، إلى آخر السورة"[42].

فهذه الروايات كثيرة، ما هو سبب النزول الحقيقي منها؟ الرواية الأولى، وهي: عندما جاءت المرأة وقالت: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لما فتر الوحي عن النبي ﷺ ليلتين أو ثلاثًا، فهذا هو سبب النزول، والباقي لا يحتاج أن نسرده ونعدده أبدًا، بل نذكر هذا السبب الوحيد فقط، ولا نلتفت إلى الباقي.

نعطيكم مثالا على ما صحت فيه بعض الروايات دون بعض، والصحيح منه صريح ومنه غير صريح، أما في الحالة الأولى، فالروايات بعضها صحيح وبعضها غير صحيح، لكنها كلها صريحة، لكن في هذا النوع منه صحيح ومنه غير صحيح، ومنه صريح ومنه غير صريح، فلنطبق عليه، ولننظر ما هو سبب النزول الحقيقي الذي ينبغي أن يقال ويعتمد، فالتطبيق الذي سأذكره يتعلق بصورة اجتمع فيها روايات صحيحة وضعيفة، واجتمع فيها أيضًا صيغ صريحة وغير صريحة، وهذه أبلغ صورة تحمل ألوان التفاوت في الروايات، ثم ننظر كيف نستخلص سبب النزول منها.

الله يقول: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، انظر إلى الروايات الموجودة! أخرج ابن جرير بإسناد جيد، عن ابن عباس قال: "كان أول ما نسخ من القرآن: القبلة، وذلك أن رسول ﷺ لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله ﷺ بضعة عشر شهرًا، فكان رسول الله ﷺ يحب قبلة إبراهيم ، الحاصل: إلى أن حوّلت القبلة، فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا:  مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142]، فأنزل الله  قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ  [البقرة:142]، وقال: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]"[43]، اضبطوا هذه الرواية: عن ابن عباس، عند ابن جرير بإسناد جيد، وهل هي صريحة أو غير صريحة؟ هي: صريحة، قال: "فأنزل الله"، إذن هي: بسبب تحويل القبلة ردًا على اليهود.

ورواية ثانية: عند الترمذي وابن ماجه، عن حديث عامر بن ربيعة قال: "كنا مع النبي ﷺ في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندري أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، على الجهة التي اجتهد فيها، يعتقد أن القبلة منها، واحد صلى من هنا، وواحد من هنا، وواحد من هنا، وواحد من هنا، بحسب اجتهاداتهم، ووضعوا خطوطًا في الليل، فلما أصبحوا وجدوا أنفسهم بين مشرق ومغرب، فلمّا أصبحوا ذكروا لرسول الله ﷺ ذلك، فنزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]"[44]، وهذه رواية صحيحة، وهل هي صريحة أو غير صريحة؟ هي: صريحة، فقد ذكر واقعة ثم قال: "فنزلت"، فهذه صريحة، فهي: صحيحة صريحة، فهذا حديث عامر بن ربيعة، في أنها في من اجتهد في القبلة فأخطأ، والأولى في احتجاج اليهود على تحويل القبلة.

والرواية الثالثة: عند الترمذي، من حديث ابن عمر قال: "كان النبي ﷺ يصلى على راحلته تطوعا حيثما توجهت به، يعني: الراحلة، وهو: جاءٍ من مكة، يعني: وهو: قادم من مكة إلى المدينة، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، قال ابن عمر: في هذا أنزلت هذه الآية"[45]، وهذه رواية صحيحة، وهل هي صريحة؟

الجواب: لا، ابن عمر يقول: هذا مما يدخل في معناها: أن في صلاة السفر التطوع لا يلزم استقبال القبلة، فيصلي الإنسان حيث ما توجهت به راحلته، وهذا معنى صحيح، دل عليه عموم الآية، لكنه ليس بصريح في أنه سبب النزول من جهة الصيغة، فماذا نصنع بهذه الرواية؟ نستبعدها، فكم رواية ثبتت معنا؟ اثنتان.

وعندنا رواية رابعة: عند ابن جرير، عن قتادة: أن النبي ﷺ قال: إن أخاكم النجاشي قد مات، فصلوا عليه، قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم، قال: فنزلت:  وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ  [آل عمران:199] الآية، قال قتادة: "فقالوا: إنه كان لا يصلي إلى القبلة، فأنزل الله :  وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]"[46]، ففي هذه الرواية: "فنزلت"، فهي: صريحة، لكنها لا تصح؛ لأن قتادة يرويه عن النبي ﷺ، وهذا من قبيل المرسل، وهو: ضعيف، فالرواية هذه ردّيناها للضعف، والتي قبلها رددناها لماذا؟ لأنها غير صريحة، فإلى الآن كم بقيت عندنا رواية؟ اثنتان فقط.

الرواية الخامسة: عند ابن جرير في التفسير، عن مجاهد: لما نزلت:  ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، قالوا: إلى أين؟ فنزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]"[47]، فهي صريحة لكنها لا تصح؛ لأنها مرسلة، فمجاهد من التابعين، فهي: رواية لا تصح، إذن: هذه الرواية نستبعدها.

فهذه خمسة أسباب، الصحيح منها ما هو؟ في تحويل القبلة، وأيضًا: في من اجتهد وأخطأ في القبلة، فماذا نقول؟ هل هذه الحوادث حصلت في وقت متقارب؟ إذا كانت حصلت في وقت متقارب، نقول: نزلت الآية بعدها، لكن لا نعلم أنها حصلت في وقت متقارب، فنقول: إن لم تحصل في وقت متقارب، فالنزول قد تكرر، نزلت مرة بسبب هذه الواقعة، ومرة بسبب واقعة أخرى، فالآية نزلت مرتين، ولا إشكال.

فأين هذا من سرد خمس روايات، منها: الصحيح، ومنها: غير الصحيح، ثم نقول: هذا سبب نزول، ونبقى في حيرة؟!

نعطيكم مثالاً على ما صحت فيه الروايات، وكانت صريحة مع تقارب النزول، وهو: المثال السابق في قوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ [النور:6]، فالروايات فيها صحيحة وصريحة، في عويمر العجلاني[48]، وهلال بن أمية[49]، كلها صحيح، وكلها صريح، فالنزول متقارب، نزلت الآية بعدها جميعا، كل واحد منها هو: سبب النزول.

وكذلك تحريم النبي ﷺ الجارية[50] ، والعسل[51]، نزلت بعدهما.

مثال على ما صحت فيه الروايات، وكانت صريحة، ولكن النزول متباعد، وقد سبق مثال على هذا ما هو؟ هو: الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ [الروم:1-2]، فهذه نزلت في مكة[52]، ثم في المدينة[53]، نزلت هناك لما فرح المشركون في مكة، وهنا نزلت لما فرح المؤمنون.

ومثاله أيضا:  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85]، لما سأله المشركون[54]، ولما سأله اليهود[55].

بعض العلماء إذا ما علموا بأن النزول متقارب، قالوا: نلجأ إلى الترجيح، ما نقول: بأن الآية نزلت مرتين، وما أدري لماذا ما يقولون بهذا؟ مع أنني قلت لكم: إن القرآن نزل على سبعة أحرف، وما نزل منه من الأحرف المتعلقة بالسور الملكية نزل في المدينة، فمعنى ذلك: أن جبريل نزل بها مرة ثانية، فلا غضاضة في هذا، لكن بعض العلماء يقولون: لا، نحن نلجأ إلى الترجيح، إذا ما قدرنا أن نحكم بأن الآية نزلت بعد هذه الأسباب وهي في وقت متقارب فنرجّح، كيف نرجح؟ مثل: المثال السابق: لما سألوا النبي ﷺ عن الروح، فحديث ابن مسعود في الصحيحين، وحديث ابن عباس لما سأله المشركون عند الترمذي، ففي هذه الحالة يرجّحون رواية الصحيحين.

وبعضهم يلجأ إلى طريقة أخرى في الترجيح، فيقول: نرجح بأن ابن مسعود كان حاضر القصة، كان مع النبي ﷺ، والنبي ﷺ يتوكأ على عسيب، فهو: حاضر، أما ابن عباس فلم يحضر، فهو: مرسل صحابي، لأنه كان صغيرا في مكة، فهو: أكيد يرويه عن صاحبي آخر، أو سمعها من النبي ﷺ مرة ثانية، لكن ابن مسعود كان مع النبي ﷺ، فهذا مثاله.

مكان النزول:

مكان النزول، وهو: ما يسمونه: بالمكي والمدني، وضابطه باختصار في أجود ما قيل فيه، والله أعلم، كيف نحكم أن هذا مكي، أو هذا مدني؟ كل ما نزل قبل الهجرة فهو: مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو: مدني، حتى لو نزل مكة، يعني: مثل قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، متى نزلت؟ وأين نزلت؟ نزلت في مكة، في عرفة، ومع ذلك نحكم أنها آية مدنية، فهذا الضابط جيد، وهو: أحسن ما ذُكِر: ما نزل قبل الهجرة فهو: مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو: مدني.

وكيف نعرف أن هذا مكي، أو مدني؟ نقول: هذا موقوف على نقل من شاهدوا التنزيل فقط، أما إذا قلنا: بعلامات، فهنا ندخل في متاهات ما لها حدّ؛ ولهذا أوردت هذا السؤال، فبعض العلماء يأخذون قرائن، ويحكم لك: إن هذه الآية نزلت في المدينة، مثلاً: أي آية ذكر فيها اليهود يقول لك: هذه نازلة في المدينة، ومثل: سورة الأنعام، معروف وصح أنها نزلت جملة واحدة، في ليلة واحدة، كلها من أولها إلى آخرها، بروايات صحيحة، نزلت في مكة[56].

وبعض العلماء يستثني منها بعض الآيات، ويقول: نزلت هذه في المدينة، لماذا؟ يقول: لأنه ذُكِر فيها بعض الأشياء، مثل: قضية الزكاة:  وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ  [الأنعام:141]، قالوا: الزكاة ما فرضت إلا في المدينة، نقول لهم: أصلا من قال لكم: إن الزكاة فرضت في المدينة؟ الزكاة الراجح: أنها فرضت في مكة، لكن لم يكن بهذه الأنصباء، وليس هناك شيء مقدّر، إنما فرض أصلها في مكة بشيء غير مقدر، يخرج الإنسان عند الحصاد شيئًا لم يقدر، ونزلت هذه الأنصباء والتقسيمات والأموال الزكوية، إلى آخره، كل ذلك في المدينة، هذا جواب.

والجواب الثاني: أن نقول بكل بساطة: إن الآية قد تنزل قبل تقرير الحكم، وذكرنا لكم أمثلة على هذا، فلماذا نخرج: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، من سورة جاءت أحاديث صحيحة: أنها جاءت جملة واحدة، في مكة، في ليلة واحدة، ونقول: إلا هذه الآيات؛ لهذا المعنى الذي تبادر لنا؟ فلا يجوز أن نحكم على آية بأنها نزلت في مكة أو المدينة بناءً على اجتهاد، فهذه تحفظ، وكثير مما تجدونه في كتب التفسير مبني على الاجتهاد، لاح له في المعنى فقال به، مثل: سورة البلد، أو مثل الآية التي ذكرنا في سورة الأعلى في قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ۝ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، فهذه السورة مكية، وبعضهم قال: لا، هذه الآية مدنية، كيف مدنية؟ قال: هذه تدل على زكاة الفطر، وزكاة الفطر ما عُرفت إلا في المدينة، عجيب! أولاً: المعنى الراجح ذكرته سابقا، وليس هذا، ثم لو فرضنا أن معناها هو هذا، فماذا يقال؟ يقال: نزلت قبل تقرير الحكم.

إذن: هذا موقوف على النقل والسماع فقط، ولا يلتفت إلى اجتهادات وآراء وقرائن؛ لنحكم على الآية بأنها مكية أو مدنية، فمن شاهدوا التنزيل من أصحاب النبي ﷺ هم الذين يعوَّل عليهم في معرفة المكي والمدني، وكانوا غاية في هذه المعرفة، كما أخرج البخاري -رحمه الله تعالى، عن ابن مسعود أنه قال: "والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله -تعالى- إلا وأنا أعلم في من نزلت، وأين نزلت"[57].

وقال أيوب: "سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن، فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل، وأشار إلى سلع"[58]، أي: الذي كان تحته الخندق.

وأيضا: يمكن من خلال الروايات التي وردت في أسباب النزول أننا نعرف مكان النزول، يعني: مثلاً: آية التيمم السابقة في سورة المائدة، عائشة تقول: "كنا بذات الجيش، أو بالبيداء"[59]، فحددت المكان، فنعرف أنها نزلت في هذا المكان، وإن لم يكن قصدها بيان المكان الذي نزلت فيها الآية، وإنما أرادت أن تذكر الواقعة أين حصلت.

وهنا مسألة مهمة، وهي: كيف نحكم على السورة أنها مكية أو مدنية؟

قد تكون السورة مكية، وبعضها مدني، وقد يكون العكس، فكيف نحكم؟ بعض العلماء يقولون: العبرة بأول السورة، أين نزل؟ فإذا نزل بمكة، فحتى لو نزل بعض الآيات في المدنية ما يهمنا، فهي: مكية.

وبعضهم يقول: لا، العبرة بالأغلب، وهذا خلاف مشكل، وليس من العادة أن أذكر خلافا في هذه الدروس، لكن أردت أن أصور لكم طريقة تخرجون فيها من بعض صور الخلاف، وهي: أنه إذا نظرنا إلى الواقع في الآيات الموجودة عندنا، نجد أن كل السور التي يقال: إنها سورة مكية مثلا، أن جميع آياتها مكية في الواقع، أو عامة الآيات مكية، وأما المدني فلا إشكال فيه؛ لأن كل ما نزل بعد الهجرة فهو: مدني، وإن نزل في مكة، فهذا لا إشكال فيه، فالواقع: أن السورة إما أن تكون مكية بكاملها، أو الغالب على آياتها أنه مكي، ويقال عنها: إنها سورة مكية، ولا يوجد سورة يقال عنها: بأنها مكية، وما فيها إلا كم آية مكية، يعني: قليلة، والباقي كله مدني، يعني: الأغلب مدني، لا يوجد، فهذا الخلاف إذن من الناحية الواقعية: هل له قيمة أو ليس له قيمة، يترتب عليه شيء؟

الجواب: ليس له قيمة، ولا يترتب عليه شيء، وإن هالَك، وصعب عليك الترجيح فيه، لكنه في الواقع، من الناحية الواقعية ما فيه إشكال.

نعطيكم أمثلة على هذا الذي يقولون فيه: هذه السورة مكية إلا الآية الفلانية، وهذا غير صحيح، بل هو بناء على اجتهادات، مثاله: سورة الأعلى التي ذكرت قبل قليل، وفيها: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14]، فهذا غير مقبول؛ لأنهم بنوه على المعنى، ورأيتم الجواب.

وكذلك بعضهم قال في سورة الفاتحة: إن قوله:  وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قالوا: هذه مدنية، وسورة الفاتحة مكية، لماذا؟ قالوا: من هم:  غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ؟ اليهود هم الذين كانوا في المدينة، فهذه الآية تكلمت عن اليهود، إذن هذه:  وَلَا الضَّالِّينَ، هذه مدنية، فنقول: لا، هذا ليس بصحيح، انظروا إلى أي درجة وصلوا!.

وأما ما ورد فيه النقل عن الصحابة ، فهو: المعتمد المعتبر، مثلاً: في قوله:  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ  [لمائدة:3]، كما عند الشيخين: "لما جاء الرجل اليهودي إلى عمر، فقال: آية في كتابكم لو نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال: أي آية: قال:  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، فقال له عمر: نزلت يوم عرفة.."[60]  إلى آخره، فهذا نقل لنا عمر فيه مكان نزول الآية، فهذا هو: المعتبر المعتمد.

ومثال آخر: حديث عائشة: "كنا بالبيداء، أو بذات الجيش"[61].

وأما الضوابط التي يذكرها العلماء، فيقولون: إذا رأيت سورة فيها كذا، فهي: كذا، وإذا رأيت فيها كذا، فهي: كذا، فيما يميزون به بين المكي والمدني، كقولهم مثلاً: كل سورة فيها: "كلا"، فهي: مكية، ويقولون مثلا: كل سورة فيها سجدة، فهي: مكية، وكل سورة في أولها حروف التهجي الحروف المقطعة، فهي: مكية، إلا البقرة وآل عمران، وفي الرعد خلاف، وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم السابقة، فهي: مكية، سوى البقرة، وكل سورة فيها قصة آدم وإبليس، فهي: مكية، سوى البقرة، ولا أدري أين ذهبت سورة الكهف، وفيها:  وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [الكهف:50] الآية، وكل سورة فيها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، وليس فيها:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، فهي: مكية، وهناك أشياء تشكل على هذا، وكل سورة من المفصل فهي: مكية.

ويقولون في المدني: كل سورة فيها الحدود والفرائض، فهي: مدنية، وكل سورة فيها إذن بالجهاد، وبيان أحكام الجهاد، فهي: مدنية، وكل سورة فيها ذكر المنافقين، فهي: مدنية، ما عدى العنكبوت.

أما نحن فنقول: هذه الأشياء تحتاج إلى مراجعة، ونتتبعها واحدة واحدة، فإن صح الاستقراء قلنا به؛ لأنها مسألة استقرائية، مثل: لو قلنا هنا مثلاً: كل واحد يلبس ثوبًا ملونًا، فهو: دون العشرين في عمره، فإذا قلنا هذا بناء على الاستقراء، فهذا صحيح، لا إشكال فيه، لكن إذا قلنا هذا هكذا، فنقول: هذه قاعدة غير صحيحة، أنا أطلع لك واحد الآن لابس ثوب ملون، وهو: فوق العشرين، فهذا مثله، فيحتاج إلى أن نتتبع الجزئيات التي قالوها، هل هي فعلاً كذلك أو لا، قبل أن نسلم بمثل هذا؟

ولا شك أن المكي من القرآن له بعض السمات، وأن المدني له بعض السمات، فمثلا: القرآن المكي يركز على قضية الدعوة إلى التوحدي، ونبذ الشرك، والرد على المشركين في حججهم وأباطيلهم في قضايا معبوداتهم، وما يتعلق بها، ويكثر فيه ذكر الآخرة، واليوم الآخر، والأدلة على البعث، وما شابه ذلك، وذكر الجنة ونعيمها، كذلك أيضًا: تجد القرآن المكي فيه: وضع الأساس العامة للتشريع، والقضايا الأخلاقية بشكل عام، وينتقد المشركين في وأد البنات، وفي بعض ما كانوا يفعلونه في بعض عاداتهم السيئة، كذلك يغلب عليه، وفيه كثير من قصص الأنبياء والأمم السابقة، وكيف فعل الله بها، ودمرها، والغالب: أن الفواصل قصيرة، مثل:  وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ۝ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3]، لكن البقرة المدنية: الفواصل طويلة، الآيات طويلة، لكن هذا ليس دائما، فسورة الأنعام آياتها طويلة، وهي: نازلة في مكة، لكن نحن نقول: الغالب.

وأما القرآن المدني، فتجد فيه تقرير كثير من تفاصيل العبادات، وتفاصيل المعاملات، والحدود، والمواريث، وقضايا الجهاد، وهكذا: الصلح، والعهود، والمواثيق، وما إلى ذلك، وخطاب أهل الكتاب، ومناقشة أهل الكتاب، والرد عليهم، والكلام على المنافقين بكثرة، والآيات في الغالب طويلة، فهذه علامات للقرآن المكي أو المدني.

وهنا سؤال: ما الفائدة من معرفة هذا؟ ماذا نستفيد؟ نقول: أولاً: معرفة الناسخ والمنسوخ، فإذا عرفنا أن هذا نازل في مكة، وهذا نازل في المدينة، عرفنا المتقدم من المتأخر، وأيضًا: نعرف كيف تدرج التشريع، ففي مكة: ما هي الأمور التي خاطبهم بها؟

وما هي الأمور التي خاطبهم بها في المدينة؟ كيف نقلهم طورا بعد طور؟

وأيضا: هذا تاريخ للقرآن، وهو يعطينا ثقة كبيرة به، فالصحابة عرفوا أين نزلت كل آية، وضبطوا تواريخ ذلك، فأين هذا من الكتب السابقة؟ فهل مثل هؤلاء يفرطون في آية واحدة تضيع منه؟

أبدًا، فكيف بثلثي القرآن أو ما شابه ذلك مما يقوله الأفاكون؟! والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب التفسير، باب: في قوله تعالى:  وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [النور:33]، برقم (3029).
  2. أخرجه البخاري، أبواب العمرة، باب: قول الله تعالى:  وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، برقم (1803)، ومسلم، في أوائل كتاب التفسير، برقم (3026).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب: وجوب الصفا والمروة، وجعل من شعائر الله، برقم (1643)، ومسلم، كتاب الحج، باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، برقم (1277).
  4. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: قوله :  وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ  [النور:6]، برقم (4745)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، برقم (1492).
  5. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:8]، برقم (4747)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، برقم (1496).
  6. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:8]، برقم (4747)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، برقم (1496).
  7. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: قوله:  فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ [البقرة:196]، برقم (4517)، ومسلم، كتاب الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، برقم (1201).
  8. أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلاة كفارة، برقم (526)، ومسلم، كتاب التوبة، باب: قوله تعالى:  إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، برقم (2763).
  9. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ [آل عمران:77]، برقم (4549)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم (138).
  10. أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب: الخصومة في البئر والقضاء فيها، برقم (2356)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم (138).
  11. أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2607)، برقم (14647).
  12. أخرجه ابن ماجه، أبواب الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره، برقم (2340)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/498)، برقم (250).
  13. أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب: شرب الأعلى إلى الكعبين، برقم (2362)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب: وجوب اتباعه ﷺ، برقم (2357).
  14. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ [البقرة:223] الآية، برقم (4528)، ومسلم، كتاب النكاح، باب: جواز جماعه امرأته في قبلها، من قدامها، ومن ورائها من غير تعرض للدبر، برقم (1435).
  15. أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2607)، برقم (14647).
  16. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: قوله:  وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، برقم (4516).
  17. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ [البقرة:223] الآية، برقم (4526).
  18. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ [البقرة:223] الآية، برقم (4526).
  19. أخرجه البخاري، أبواب العمرة، باب: قول الله تعالى:  وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، برقم (1803)، ومسلم، كتاب التفسير، برقم (3026).
  20. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، برقم (4508).
  21. أخرجه البخاري، كتاب في اللقطة، باب: كيف تعرف لقطة أهل مكة، برقم (2434)، ومسلم، كتاب الحج، باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام، برقم (1355).
  22. أخرجه الطبري في تفسير (22/ 602).
  23. أخرجه البخاري، كتاب التيمم، وقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، برقم (334)، ومسلم، كتاب الحيض، باب: التيمم، برقم (367).
  24. انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/279).
  25. أخرجه أبو عوانة في مستخرجه (4/ 358)، برقم (6964)، والطبراني في المعجم الأوسط (6/ 241)، برقم (6294)، والبيهقي السنن الكبرى (3/ 278)، برقم (5702).
  26. أخرجه الترمذي، أبواب القراءات عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة الروم، برقم (2935)، وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (11325)، وأحمد في المسند، برقم (2495)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
  27. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة الروم، برقم (3194)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث نيار بن مكرم، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد"، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/ 194)، بترقيم الشاملة آليا) برقم (3194).
  28. أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب: قول الله تعالى:  وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، برقم (125)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب: سؤال اليهود النبي ﷺ عن الروح وقوله تعالى:  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85] الآية، برقم (2794).
  29. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة بني إسرائيل، برقم (3140)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الألباني: حسن صحيح، في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/ 209)، برقم (99).
  30. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة النساء، برقم (3022)، وقال: "هذا حديث مرسل، ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مرسلا، أن أم سلمة، قالت: كذا وكذا"، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/ 22، بترقيم الشاملة آليا): "صحيح الإسناد" برقم (3022).
  31. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة النساء، برقم (3023)، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/ 22، بترقيم الشاملة آليا): "صحيح بما قبله" برقم (3022).
  32. أخرجه الحاكم، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب بسم الله الرحمن الرحيم، برقم (3560)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
  33. أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب:  لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، برقم (5267)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: وجوب الكفارة على من حرم امرأته، ولم ينو الطلاق، برقم (1474).
  34.  أخرجه الطبري في تفسيره (23/ 475-479)، والطبراني في المعجم الأوسط (3/ 13)، برقم (2316)، والدارقطني في سننه (5/ 75)، برقم (4013)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 578)، برقم (15077).
  35. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: قوله :  وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6]، برقم (4745)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، برقم (1492).
  36. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:8]، برقم (4747)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، برقم (1496).
  37. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:3]، برقم (4950)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين والمنافقين، برقم (1797).
  38. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/ 249)، برقم (636)، وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (13/ 316)، برقم (6136)، وليس فيه هذه الزيادة: فسأله النبي ﷺ عن سبب التأخر، فأخبره أن السبب هو: هذا الجرو، وقال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة.
  39. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء، آمين فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه، برقم (3225)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة، برقم (2106).
  40. أخرجه الطبري في تفسيره (24/ 486- 487).
  41. انظر: فتح الباري لابن حجر (8/ 710).
  42. انظر: المصدر السابق.
  43. أخرجه الطبري في تفسيره، (2/ 527)، وأخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: الصلاة من الإيمان، برقم (40).
  44. أخرجه الترمذي، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ، باب: ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم، برقم (345)، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث، وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب: من يصلي لغير القبلة وهو لا يعلم، برقم (1020)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 323)، برقم (291).
  45. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، برقم (700)، والترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة البقرة، برقم (2958)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
  46. أخرجه الطبري في تفسيره (7/ 497)، برقم (8377).
  47.  أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 534)، برقم (1847).
  48.  أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: قوله وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6]، برقم (4745)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، برقم (1492).
  49. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب:  وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:8]، برقم (4747)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، برقم (1496).
  50. أخرجه الطبري في تفسيره، (23/ 475-479)، والطبراني في المعجم الأوسط (3/ 13)، برقم (2316)، والدارقطني في سننه (5/ 75)، برقم (4013)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 578)، برقم (15077).
  51.  أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1]، برقم (5267)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: وجوب الكفارة على من حرم امرأته، ولم ينو الطلاق، برقم (1474).
  52.  أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة الروم، برقم (3194)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث نيار بن مكرم، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/ 194، بترقيم الشاملة آليا) برقم (3194).
  53. أخرجه الترمذي، أبواب القراءات عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة الروم، برقم (2935)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (6/ 435، بترقيم الشاملة آليا)، برقم (2935).
  54. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب: ومن سورة بني إسرائيل، برقم (3140)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الألباني: حسن صحيح، في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/ 209)، برقم (99).
  55. أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب: قول الله تعالى:  وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، برقم (125)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب: سؤال اليهود النبي ﷺ عن الروح وقوله تعالى:  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85] الآية، برقم (2794).
  56. أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (1/ 145)، برقم (220)، وفي المعجم الكبير (12/ 215)، برقم (12930)، وفي المعجم الأوسط (6/ 292)، برقم (6447)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 44)، والبيهقي في السنن الصغير  (1/ 341)، برقم (965)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين برقم (3226)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فإن إسماعيل هذا هو السدي، ولم يخرجه البخاري"، وتعقبه الذهبي بقوله: "لا، والله لم يدرك جعفر السدي وأظن هذا موضوعا"، وقال الألباني: منكر، في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (12/272)، برقم (5627).
  57. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: القراء من أصحاب النبي ﷺ، برقم (5002)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب: من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه -ا، برقم (2463).
  58. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 327).
  59. أخرجه البخاري، كتاب التيمم، وقول الله تعالى:  فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، برقم (334)، ومسلم، كتاب الحيض، باب: التيمم، برقم (367).
  60. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: زيادة الإيمان ونقصانه، برقم (45)، ومسلم، كتاب التفسير، برقم (3017).
  61. أخرجه البخاري، كتاب التيمم، وقول الله تعالى:  فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، برقم (334)، ومسلم، كتاب الحيض، باب: التيمم، برقم (367).

مواد ذات صلة