الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
[11] قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ..} إلى قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}
تاريخ النشر: ٣٠ / رجب / ١٤٣٦
التحميل: 2526
مرات الإستماع: 1950

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

لما ذكر الله -تبارك وتعالى- الفريق الثالث في صدر سورة البقرة، وهم أهل النفاق وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ۝ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [سورة البقرة:8، 9] فهم إنما قالوا آمنا بالله وباليوم الآخر مُخادعة من غير إيقان، ولا إذعان، ولا إقرار، ولا تصديق حقيقي يقوم في قلوبهم.

ثم ذكر العلة العليلة التي أوقعتهم في هذا كله، فقال: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [سورة البقرة:10] هذا المرض مرض النفاق، الذي مبناه على الكذب الذي يحصل به المُخالفة بين الظاهر والباطن، فهو منشأ هذه العِلل والأوصاب التي مُني بها هؤلاء، فقلوبهم منطوية على الكفر والشك وفساد الباطن.

والمرض غالبًا يُطلق في كتاب الله -تبارك وتعالى- ويُراد به النفاق، وقد يُذكر ويُراد به ضعف الإيمان، وهو أحد القولين في قوله -تبارك وتعالى: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [سورة الأنفال:49] فبعضهم يقول: هذا من باب عطف الأوصاف والموصوف واحد، فالمنافقون هم الذين في قلوبهم مرض، وبعضهم يقول: إن هؤلاء الذين عُطفوا على المنافقين والأصل أن العطف يقتضي المغايرة، أن هؤلاء هم ضعفاء الإيمان، فئة أخرى.

ولكنه في موضع واحد أُطلق المرض وأُريد به الميل المُحرم إلى النساء، مرض الشهوات، وذلك في آية الأحزاب في قوله -تبارك وتعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [سورة الأحزاب:32] مريض القلب بالميل المحرم إلى النساء.

فالقلب يصح بالإيمان إذا كان معمورًا بتقوى الله -تبارك وتعالى- ويمرض بالشهوات والشبهات، وما يتفرع عنهما من العِلل والأدواء، وكذلك القلب أيضًا يموت إذا كان خاليًا من الإيمان والتقوى والعمل الصالح، فهؤلاء عاقبهم الله -تبارك وتعالى- فزادهم مرضا؛ إذ الجزاء من جنس العمل هذا في الدنيا، وتوعدهم في الآخرة بالعذاب المؤلم الموجع.

فقوله تبارك وتعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [سورة البقرة:10] المريض يجد طعم الطعام على خلاف ما هو عليه، فيرى الحامض حلوًا، والحلو مُرًا، وكذلك هؤلاء يرون الحق باطلاً والباطل حقًا، فكما أن المرض الذي يقع للجسد يكون باختلال مِزاج البدن -كما هو معروف- فتتحول عافية الإنسان، فلا يجد طعوم الأشياء كما يجدها الأصحاء، ولا يجد مذاق الطعام كما يجده الصحيح، وكذلك أيضًا هذا الذي قد أُصيب في دينه وإيمانه وقلبه، فصار قلبه مريضًا هذا المرض المعنوي تتحول عنده الأشياء بحسب هذا المرض، فيرى الباطل حقًا؛ لأن بصيرته قد تحولت.

فهذه البصيرة كالمنظار الذي يكون على العين، فإنه يرى الأشياء بحسب هذه الزجاجة، بحسب لونها، بحسب هذه العدسة، فيرى الأشياء صغيرة أو كبيرة، أو يراها ذات ألوان على غير حقيقتها، والعلة ليست في الأشياء، وإنما العلة في هذا النظر، وهذا مكمن الخطورة أن الإنسان حينما يضعف إيمانه ويقل يقينه بسبب ما يُعافس من الشهوات والأهواء، أو ما يصل إلى قلبه من الشبهات التي تورث الشك وتُزعزع اليقين تتحول بصيرته، فيرى الأشياء على غير حقيقتها، فيتغير المعيار عنده والميزان، فيستحسن ما كان يستقبح، ويستقبح ما كان يستحسن، ثم بعد ذلك يُزين الشر والباطل والمُنكر، بل والكفر والضلال في عين هذا الإنسان -نسأل الله العافية.

فهذا خطير، فإذا رأيته وجدته على خلاف ما عهدته من حُسن النظر في الأمور، ومحبة الخير والحق والهدى والنور، فتحول إلى خُفاش أعشاه النهار بضوئه، فلم يعد يرى الحقائق كما كان يُبصرها، وما يستحسن الحق ويقبله، بل تحول الحق عنده إلى باطل كريه، مُر المذاق، فهذه مُصيبة إذا وقعت في قلب الإنسان تحولت عنده المقاييس والموازين؛ ولذلك ينبغي على الإنسان أن يتعاهد قلبه دائمًا، ولهذا جاء عن بعض السلف في معيار الفتنة إذا فُتن الإنسان: أن يستحسن ما كان يستقبح، وأن يستقبح ما كان يستحسن.

يعني: كيف يعرف الإنسان أنه مفتون؟ بأمور كان يُنكرها، وكان يستقبحها، ثم بعد ذلك صار يستحسنها، هي هي لم تتغير، كان يذم أشياء من الأعمال، والأوصاف، والأشخاص، ثم بعد ذلك صار يستحسن ذلك كله، ولم يتغير من ذلك شيء، يعني: لم يتحول هذه الأعمال، أو الأوصاف، أو الأشخاص إلى شيء آخر إلى خير، أو نحو هذا، فهذا هو الخطير، هذه هي الفتنة، هذا هو المفتون الذي قد نُكس قلبه.

ثم أيضًا هذا الإنسان إذا لم يكن إقبال على الحق، وكان قلبه مريضًا؛ فإن الجزاء من جنس العمل، فإن الله يُعاقبه نكاية به فيزداد مرض قلبه، ويبقى من انتكاسة لانتكاسة، ومن حفرة إلى هوة، ولهذا يحتاج العبد دائمًا يُجدد التوبة، وأن يسأل ربه أن يلطف به، وأن يغفر له زلـله، وأن يُريه الحق حقًا، وأن يرزقه اتباعه، وأن يُريه الباطل باطلاً، وأن يرزقه اجتنابه، يخاف على نفسه رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [سورة آل عمران:8] يخاف الإنسان من أن يزيغ قلبه، فهذا في عالم الانتكاسات التي تسمعون وتشاهدون عبر الأيام والشهور والسنين، هؤلاء ما الذي غيرهم؟ وما الذي حولهم؟ كيف كانوا وإلى أي شيء صاروا؟ ماذا كانوا يقولون؟ ثم بعد ذلك ماذا صاروا يفعلون؟ تغيرت.

قد يبقى للإنسان ظاهر من الصلاح، قِشرة لا زالت تُغلفه، ولكنه منخور من الباطن، يغشى القبائح والكبائر، ويتكلم ويتفوه لسانه بكل مُنكر وقبيح، بعد ما كان يلهج بذكر الله بعد ما كان قلبه رقيقًا شفافًا، بعد ما كان وجهه مشرقًا بالطاعة، تحول إلى وجه مُظلم، فهذا يخاف العبد دائمًا من مثل هذه العاقبة وهذه الحال.

ونحن ندعوا: "ربنا لا تجعل مصيبتنا في ديننا"، هذه المصيبة في الدين، أن يُصاب الإنسان في دينه، إذا أُصيب الإنسان بأدنى علة في بدنه، ذهب وطلب الأطباء، وبدأ الناس يتفقدونه، ويسألون عنه وعن علته ما فعل الله به وبها، ولكنه إذا أُصيب في إيمانه، إذا أُصيب في دينه، لربما لا يسأل لا هو، ولا يسأل غيره عن ذلك، ولربما يكره ويشنأ ويُبغض من تعاهده من أجل ذلك ونصحه بأن يُعالج قلبه وإيمانه.

نأخذ من هذه الآية أن منشأ وسبب ضلال العبد منه، وأن الله -تبارك وتعالى- حكم عدل، فهؤلاء لما كان المرض في قلوبهم زادهم الله مرضا، كما قال الله تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [سورة الصف:5] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [سورة التوبة:115] والله يقول: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [سورة البقرة:143] الصلاة إلى بيت المقدس، وكذلك أيضًا سائر الأعمال، فالعبرة بعموم اللفظ والمعنى لا بخصوص السبب، فالله بالناس رؤوف رحيم، ولكن العبد يجني على نفسه.

وتأمل قوله -تبارك وتعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هذا المرض كما يقول القُرطبي: سكونهم إلى الدنيا، وحبهم لها، وغفلتهم عن الآخرة وإعراضهم عنها[1] لأن الذي أوقع المنافقين في هذا هو هذا الحرص الشديد على استبقاء المُهجة، وإحراز المال، فيبيع دينه ومبادئه من أجل هذا الهدف الحقير، ليس له مبدأ، فالتعلق الشديد بالدنيا أوقعهم في ذلك فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وكلهم إلى أنفسهم، وجمع عليهم هموم الدنيا، فلم يتفرغوا من ذلك إلى اهتمام بالدين، الدين لا يرفعون به رأسًا، ولا يُعنون به.

وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقد نقل عن الجُنيد قوله: عِلل القلوب من اتباع الهوى، كما أن علل الجوارح من مرض البدن[2].

ثم قال الله -تبارك وتعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [سورة البقرة:11] إذا نُصحوا، إذا وجه إليهم الخطاب من قِبل أهل النُصح والشفقة لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ كفوا عن الفساد والإفساد في الأرض بالكفر والمعاصي، وإفشاء أسرار المؤمنين، وموالاة الكافرين، قالوا كذبًا وزورًا وجدالاً بالباطل: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ بهذه الصيغة التي تفيد الحصر، حصروا أنفسهم في الصلاح، مُصلحون، وهم أهل الفساد حقيقة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أخذًا من هذه الآية: أن كل من عمل بمعصية الله فهو مُفسد، قال: والمحرمات معصية لله، فالشارع ينهى عنه ليمنع الفساد ويدفعه، ولا يوجد قط في شيء من صور النهي صورة ثبتت فيها الصحة بنص، ولا إجماع[3].

يعني: فيما نهى الله عنه، لا يوجد في شيء نهى الله عنه ما ثبت فيه الصحة لا بنص ولا إجماع، هذا الذي نهى الله عنه هو شر وفساد، فهذه المعاصي هي فساد والوالغون فيها والغون في الفساد، والمُذيعون لها والناشرون لها هم مُذيعون للفساد، هؤلاء دهاقنته، ومروجوه في المجتمع.

ومن أعظم البلوى أن يُزين للإنسان الفساد حتى يرى إنه إصلاح، انظروا إلى هؤلاء يقولون: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ويؤخذ من هذه الآية أنه ليس كل من ادعى شيئًا يصدق في دعواه، هؤلاء ادعوا هذه الدعوة العريضة، وبهذا الأسلوب الذي يُفيد الحصر بـ "إنما" وهي من أقوى صيغ الحصر، فالله كذبهم أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ رد عليهم وأكذبهم بهذه الصيغة القوية، أيضًا التي تُنادي عليهم بالفساد ألا، وجاء بـ "إن" المؤكدة إنهم، وجاء بـ "هم" ضمير الفصل الذي يفيد تقوية النسبة بين طرفي الجملة، وطرفي الكلام هم، وأدخل "أل" على المُفسدون، كأن هؤلاء قد حصلوا الوصف الكامل من الإفساد، كأنه لا مُفسد إلا هؤلاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ.

فهذا رد من الله -تبارك وتعالى- عليهم ليس بقول أحد من البشر يُخطئ ويُصيب، أو يتحامل، أو نحو ذلك، أو بينه وبينهم سوء في فهم، أو في معاملة، أو في علاقة، أو غير ذلك، فليس كل ما زينته النفس لصاحبها يكون حسنًا والله يقول: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [سورة فاطر:8].

فالقضية لا ترجع إلى الأذواق، كما لا ترجع إلى الدعوى العريضة التي يدعيها المُفسد، ويقول: أنا مُصلح، وإنما المعيار والميزان هو هذا الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، هذا القرآن وما يشرحه من سنة رسول الله ﷺ فبه توزن الأعمال، والأقوال، والأحوال، ويتبين المُحق من المُبطل، والمُصلح من المُفسد.

ثم تأمل أيضًا هذه الصيغة التي عبروا بها: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ صيغة الحصر والقصر، قصر الموصوف على الصفة، فهذا كأنهم يقولون: إن شأننا ليس إلا الإصلاح، وإن حالنا مُتمحضة عن شوائب الفساد، وهم أكثر الناس فسادًا، وإفسادًا.

وقد أحسن من قال: أصعب الحرام أوله، ثم يسهل، ثم يُستساغ، ثم يؤلف، ثم يحلو، ثم يُطبع على القلب، ثم يبحث عن حرام آخر. وهكذا، نسأل الله العافية.

أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [سورة البقرة:12] هذا الذي يفعلونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد والإفساد، لكن بسبب مُكابرتهم، وطمس بصائرهم، لا يشعرون، لا يُحسون، فهنا أكد على هذا الوصف الذي وصفهم به أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ فرد بهذا الرد البليغ على قولهم: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ حيث قصروا أنفسهم على هذا الوصف، فجاء الرد، فبدأ بجملة استئنافية اسمية للدلالة على الثبوت، أن هذا الوصف ثابت فيهم الإفساد أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ حيث جاء بهذه الصيغة وافتتحها بألا التي تُفيد التنبيه إلى تحقق ما بعدها، وإن التي للتأكيد وتقرير النسبة، وأتى بضمير الفصل - كما سبق - كل هذا من أجل التأكيد على أن كل هؤلاء هم أهل الشر والفساد والإفساد.

ونأخذ من هذه الآية: أن العمل السيء يُعمي البصيرة، فلا يشعر الإنسان بالأمور الظاهرة، نسأل الله العافية؛ لقوله تعالى: وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ يعني: هو مُفسد، ولا يشعر أنه مُفسد، يُكابر في هذه القضية مع أن الإفساد أمر واقع مُتحقق في الخارج، يراه كل أحد، وهؤلاء لا يشعرون لما حصل عندهم من التبلد التام، والعمى الكامل للبصائر؛ فانعدم الشعور عندهم، ولذلك تجد الإنسان أحيانًا يُمعن، وأهل القلوب الحية يعجبون من جُرأته على ربه -تبارك وتعالى- وكيف لا يرعوي، ولا يتوب، ولربما كان في حال من المرض المُشفي على الهلكة، أو كان في حال من الضعف والعجز وتقادم العمر الذي قد انقرض بالفساد والإفساد، والنفاق ومُحادة الله -تبارك وتعالى- وتقول: ألا يتوب هذا، ماذا بقي؟! ألا يرجع إلى الله -تبارك وتعالى- في لحظاته الأخيرة وأيامه الأخيرة؟!، هو يعلم أنه سيموت والأطباء يقولون لم يبق لك شيء، والأعمار بيد الله، وتقول: ألا يتوب؟! ألا يُحاسب نفسه ويُراجع؟!

هو انعدم الشعور عنده، هذا يتحدث عنه أصحاب القلوب الحية، يقولون: ألا يتوب؟ لكن هو لم يعد يشعر، فما لجرح بميت إيلام، إن قد مات عضو من أعضائه، وهذا العضو يُصيبه الجدار، ويُصيبه كل شيء يُدميه، أو يجرحه، أو غير ذلك، ولا يتحرك، تقول: ألا يشعر؟ هو لا يشعر؛ لأن هذا العضو ميت، فكيف إذا كان الموت في القلب؟

فهذا -نسأل الله العافية- يلهم المُنكر والمال الحرام، ويفعل أنواع القبائح والفجور والكبائر والفواحش وهو يضحك بملء فيه، والمؤمن لربما وقعت منه الزلة، أو الكلمة، أو النظرة، أو غير ذلك، ويشعر أنه جبل يكاد يسقط عليه، ولا يدري العقوبة تأتي من أين؟ من أين تقع العقوبة؟ من أين تأتيه؟ من هنا، أو من هناك، ينتظر بس العقوبة متى تصل؟ ومن أي نوع تكون؟

وذاك يعمل الفواحش والكبائر، والمصائب، ويضحك بملء فيه، يشرب الأسطال، ويأكل الأرطال، وقلب ميت يتقلب في نِعم الله ويرعى كالبهيمة، ويتكلم بالكُفر والاستهزاء والسخرية من آيات الله -تبارك وتعالى- وهو يضحك لا يشعر، فهذا حينما يموت القلب ينتفي الشعور، بل ويتعجب ويقول ماذا ترى، ماذا ترى؟! لأنه لا يرى شيئًا، ماذا ترون؟

هذا والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. 

  1.  تفسير القرطبي (1/ 197). 
  2.  المصدر السابق. 
  3.  مجموع الفتاوى (29/ 283). 

مواد ذات صلة