الثلاثاء 09 / رمضان / 1445 - 19 / مارس 2024
عبر ومشاهدات
تاريخ النشر: ٢٠ / صفر / ١٤٣٠
التحميل: 18971
مرات الإستماع: 9535

شابة بيضاء في قارة سوداء تمشي على قدميها في وسط الأوحال

الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ونسأل الله أن يجعل أقوالنا، وأعمالنا خالصة لوجهه الكريم، ومُقربةً إلى مرضاته، ونسأله - جل، وعلا - أن يعيننا جميعاً على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، أما بعد:

فينبغي للعاقل أن يتبصر، وأن يعتبر في كل ما يمر به، فإن الإنسان إذا نظر حوله، وجد عبراً كثيرة، فيكون ذلك نافعاً له، وسبيلاً إلى بلوغه إلى المطالب العالية التي يصبو إليها بإذن الله .

إننا بحاجة إلى أن نفكر، وأن ننظر، فالإنسان يجد ما يحثه على الطاعة في كثير مما يشاهده، ويجد أيضاً ما يزجره، ويكفه عما لا يليق.

لو نظر الإنسان فيمن حوله في مثل هذا اليوم مثلاً في المسجد الحرام لربما رأى الكثيرين ممن قد لا يظهر عليهم سيما التدين، ومع ذلك يجلسون عند أذان المغرب للإفطار، ولربما قُدر للواحد منا أن يدخل المسجد الحرام في وقت الأذان الأول لصلاة الفجر - كأن يكون جاء معتمراًً مثلاً، أو نحو ذلك - فيرى الكثيرين، والكثيرات ممن قد لا يظهر عليهم سيما التدين بين قائم، وراكع، وساجد، وبين من يتلو كتاب الله وبهذا يعتبر الإنسان، ويحقر نفسه، ويعرف تقصيره.

وهكذا حينما ننظر في أخلاق الناس، وفي صبرهم، أو في جلد أهل الباطل في نشر باطلهم فإن ذلك يحرك أموراً كثيرةً في نفوسنا نحن بحاجة إلى تحريكها.

لا زلت أذكر بعض الأمور التي حُفِرت في ذاكرتي، ولم تفارقها منذ ذلك الحين، ولست أنقل ذلك بوسائط، وإنما هي أشياء شاهدتها، فإذا رجعت بذلك إلى تقصيرنا مع ما نحمله من الحق، وما نعرفه مما رغب الله فيه من ثواب العمل الصالح، والدعوة إلى الله فإن الإنسان لربما يعرق جبينه حياء من الله .

فأقول تذكرة لنفسي، وتذكرة لإخواني، وتسلية للجميع، وتصبيراً على السير على هذا الطريق، ونحن في موقع يعد بوابة لمكة، بوابة لحرم الله لبقعة هي أشرف البقاع.

لقد سافرت إلى بلد فاستقبلنا بعض الدعاة، وسألونا لأول وهلة هل تريدون زيارة الأماكن التي قد اعتادت الوفود على زيارتها؟ أو تريدون الأماكن التي لا يأتيها أحد؟

فقلت: نريد الأماكن التي لا يأتيها أحد، فوضعوا لنا برنامجاً لزيارة تلك الأماكن، وكان أول ذلك أن ذهبنا إلى قرية في الصباح الباكر، وهي قرية قريبة من العاصمة، وإذا كل من فيها من المسلمين، ليس فيها أحد من النصارى، وأخبرونا أن الطريق إليها ليس بالطويل، ولكنه طريق لربما يرى الإنسان فيه بعض ما يكره.

إنه طريق تكثر فيه الأوحال، وتنتشر فيه كثير من الأمور التي تنبعث عنها روائح غير مستحسنة، فذهبنا في سيارة صغيرة - كأني أراها الآن - وكأننا في سفينة في تلك الأوحال، تارة تذهب بنا يمنة من غير اختيار، وتارة تموج بنا نحو الشمال، والروائح تكاد تزكم الأنوف.

وبينما نحن نمشي في وسط الوحل، وإذا بشابة بيضاء في قارة سوداء تمشي على قدميها في وسط الأوحال، قد لبست لباس الراهبات، فتعجبت، ونحن في السيارة، ولربما حدث الإنسان نفسه بأنه قد جاء بشيء لم يسبق إليه، وأن هذا من العمل الصالح العظيم الذي يحتسب عند الله - تبارك، وتعالى -.

المقصود أني سألتهم عن هذه المرأة فقالوا: هذه امرأة جاءت من بلاد أوربا لتنصير المسلمين، وقد تخصصت في هذه القرية، فهي تأتي في كل صباح على قدميها، حتى تصل إلى هؤلاء!!

امرأة لا تشبههم، ولا تقاربهم لا في دينها، ولا في صورتها الظاهرة، ولا في لغتها، فهي غريبة الوجه، واليد، واللسان، والمعتقد، ومع ذلك تجازف، وتخاطر فتركب هذه المصاعب من أجل أن تصل إلى هؤلاء في هذه القرية.

فلما دخلنا في هذه القرية، وأتينا إلى مدرسة - إن صح أن تسمى بأنها مدرسة - وهذه المدرسة هي عبارة عن قش، وأكواخ يدرس فيها أبناء المسلمين، يدرسون العلوم الشرعية، ليس عندهم منهج، ولا كتب تطبع، وإنما عندهم كتب قليلة في ذلك العريش الذي قد وُضع للمدير، ولا تُخرَج منه بحال من الأحوال، وإنما يأتي المدرس، وينقل من الكتاب، والكتاب المهيأ للتدريس هو الكتاب الذي كتب باللغة العربية فهو ثقة ثقة، أياً كان هذا الكتاب، المهم أن يكون بالعربية؛ فالعربية عندهم تساوي القرآن.

فنظرت في تلك الكتب، فإذا بكتاب للمرحلة المتوسطة من الكتب المستعملة عندنا قد كتب صاحبه اسمه عليه، وكتب اسم المدرسة، وهي من مدارس الرياض، وكتب النادي الذي يشجعه، ورسم عليه بعض الرسومات، وخط بعض الخطوط.

انظروا إلى ما نتقلب فيه من النعم، وانظروا إلى هؤلاء، وكيف أن هذا الكتاب حينما وقع في أيديهم يُعد من الكنوز التي لا يفرط فيها، ولا تخرج من غرفة المدير، بل يُنقل الدرس نقلاً، ثم يقدم إلى هؤلاء الطلاب. 

 
مكث سبع عشرة سنة لم يتنصر واحد على يديه

 ثم حدثونا عن مكان بعيد يحتاج إلى سير بالسيارة على مسافة ألف كيلو متر، وليس هناك طريق ممهد، فقلنا هذا أمر قد لا نطيقه، فقالوا: الخيار الآخر أن تركبوا في طائرات تجارية تحمل القات إلى هذه المناطق التي يسكنها المسلمون.

يزرع القات في مناطق للوثنيين، ثم يُنقل للمسلمين، إنهم فقراء، حفاة، عراة، ومع ذلك تحمل هذه الطائرات الصغيرة هذه السموم إليهم، وتباع لهم بأغلى الأثمان.

فقلنا: لا نركب مع هذا المنكر؛ لأننا جئنا للدعوة إلى الله فكيف نأتي بهذه الطائرات التي تحمل هذه البلايا؟

فقالوا: ليس هناك حل إلا أن نكلم مدير الجيش، أو رئيس الجيش فهو رجل من المسلمين، فكلموه فوافق أن يحملونا بطائرة من طائرات العتاد، فركبنا في طائرة تُحمل فيها المعدات لا تصل إلا بشق الأنفس، فقطعنا هذه المسافة، فأتينا إلى هذا المحل، فنـزلنا في محل قالوا: إنه فندق، ليس له نوافذ، وجاءوا بطعام قد خلط بماء، ولحم لا تدري ما هو؟ فطلبت ماء أغسل به يدي، فجاءوا بماء يشبه نقاعة الحناء، قلت: هذا ماء يلوث الأيادي، فقالوا: ليس عندنا سوى هذا نأخذه من النهر، فقلت لهم: لا حاجة إليه.

ثم صلينا العصر، وذهبنا على الأقدام، وليس هناك إلا الأقدام، فأتينا إلى مكان قد وضعت فيه مدرسة للأطفال - روضة - وللابتدائي، والمتوسط، والثانوي، وفيه مكان للأرامل يتعلمن الخياطة، ونحو ذلك، وفيه مكان للأيتام، وإذا بهذا المكان مرتب يختلف في هيئته، وصورته، ومعناه عن الأماكن التي حوله، وفيه زراعة منظمة، بطريقة حديثة تابعة لمثل هذه المعاهد، فسألتهم من أين لكم هذا؟ فقالوا: هذا لرجل من المنصرين قدم من بلاد بعيدة - من إيطاليا - وجلس سبع عشرة سنة بين هذه القبائل من الصوماليين، ولم يتنصر على يده رجل واحد، ولا امرأة، ولا طفل، ثم انتقل إلى مكان آخر، وسلم هذا المركز للحكومة، وكان قد سُجل باسم جمعية خيرية، فأُعطي لبعض الدعاة الذين تخرجوا من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - من أهل تلك البلاد - ورأيت المحل الذي يسكن فيه ذلك المنصر، والغرفة التي كان يتعبد فيها، وإذا فيها صليب كبير من الحديد، ومكان أشبه بالدير، يجلس فيه، ويتعبد، وصار ذلك للدعاة.

هذا الإنسان الذي جلس سبع عشرة سنة لم يتنصر واحد على يديه، وكثير منا إذا قدم برنامجاً، أو مشروعاً، أو مخيماً، أو درساً ثم وجد قلة الإقبال فإنه ينثني عزمه، ويفتر في سبعة عشر يوماً، وليس في سبعة عشر عاماً، فأين نحن من هؤلاء، ومن صبرهم، وجلدهم على الباطل؟ ويعلمون أنهم على الباطل، ونعلم أننا على الحق، ومع ذلك تجد مثل هذا الضعف، والعجز!!

 
تأخذ الأطفال الأيتام، وتنصرهم

ثم بعد ذلك انتقلنا إلى محلة في الوسط، ليس هناك إلا السباع، والوحوش، فنـزلنا في ذلك المكان، ولا يوجد مطار، وإنما هو طريق معبد صغير قد لا يتجاوز عشرين متراً في وسط الصحراء، ليس هناك مطار، ولا غرفة، ولا كوخ، ولا يوجد شيء سوى هذا الإسفلت القصير، فنـزلنا فيه فإذا بُنَيّة قد لا تجاوز الثانية عشرة ببشرتها البيضاء واقفة لوحدها ليس عندها مخلوق، فنـزلنا من هذه الطائرة فسألت من هذه؟ فقالوا: هذه عندها دار للطفولة تأخذ الأطفال الأيتام، وتنصرهم، وتعلمهم، وتداويهم، وما الذي جاء بها هاهنا؟ قالوا: جاءت إلى هنا؛ لأنها على موعد مع هذه الطائرة لتأخذ صندوقاً من الأدوية كان قد أرسل إليها من بعض المنظمات التنصيرية.

شبابنا هل سيفعلون هذا، وسيذهبون في تلك الأماكن المنقطعة في وسط الصحراء، بعيداً عن أهلهم، وذويهم لقوم يختلفون معهم في اللغة، والعادات، ولا يوجد أي مظهر من مظاهر الحضارة، أو تسهيلات الحياة إنما الأمراض، والجهل، والفقر إلى النخاع، ومع ذلك يصبرون، هل من شبابنا من يصبر على مثل هذا؟!

المقصود أن هؤلاء لا يقف عملهم مع الآدميين، وإنما يمتد إلى غيرهم حتى مع الحيوانات هناك تحت شعارات شتى.

امرأة إيطالية جاءت بثروتها لتطبب الحمير

احتجنا إلى الذهاب إلى بعض الجزر في داخل المحيط، وهذه الجزر لا تصل إليها إلا بالطائرات التجارية، ثم تحتاج أن تركب قبل الفجر بساعتين؛ لأن الجَزْر يمنع تلك السفن القديمة من الأخشاب، وبالجدافات القديمة يمنعها من الجري في الماء لضحالته، فتركب قبل الفجر بساعتين حتى تبحر، ثم تحتاج إلى ساعات حتى تصل إلى الجزيرة الأخرى، وهي قريبة جداً، وما تصل إلا وقد أُرهق كل عضو من أعضائك، فإذا وصلت فإنك ترى جزراً متناثرة، ترى في أول النهار جزيرة واحدة، كبيرة، وبعد العصر تراها جزراً متناثرة، والذي يحدث أن هذه الجزر إذا صار الوقت بعد الثالثة عصراً حصل المد، فتقطعت أوصالها فمن أراد أن ينتقل من جزيرة إلى جزيرة فعليه أن يخرج من جزيرته قبل الثالثة عصراً، ليمشي على اليابسة، فإذا كان بعد الثالثة عصراً فيحتاج إلى أن ينتظر إلى  اليوم الآخر؛ لأنه يحتاج أن ينتقل من جزيرة إلى جزيرة.

فالحاصل أننا أتينا إلى هذه الجزر، ولا يوجد فيها كهرباء، ولا سيارات، ولا يوجد فيها شيء من البنايات، إنما هي أكواخ، وإذا جاء وقت المغرب لا ترى شيئاً بسبب الظلام، وهذه البيوت، والأكواخ، ولربما بعض المساكن الشعبية - إن صح التعبير - تمتد على المحيط، وكل من هنالك من المسلمين.

فبينما نحن نمشي بعد العشاء على الأقدام؛ لأنه لا يوجد سيارات، وقفنا على بيت صغير يطل على المحيط، له فناء لربما لا يجاوز متراً، ونصف المتر، وهذا السور لا يزيد ارتفاعه عن المتر، والنصف، فوقفنا عليه فقالوا: انظر، فنظرتُ بداخل هذا الفناء، وإذا به مجموعة من الحمير - أكرمكم الله - قد تمدد بعضها، وربض بعضها، وقام بعضها، فسألتُ: ما هذه؟

قالوا: هذه الجزيرة تكثر فيها هذه الأنواع من الحيوانات، ويُمنع الناس من ركوبها لأن الأزقة ضيقة جداً فتؤذي الناس، ويحصل فيها أمراض، فجاءت امرأة إيطالية، وجاءت بثروتها، وأموالها، وما تملك، وعاشت في هذا المكان لتطبب الحمير - زعموا، وإلا فهي منصرة - فبينما نحن نتكلم يبدو أنها سمعت الصوت، فأطلت من حجرة عُلِّية، وإذا بامرأة من النساء الأوربيات في منتصف العمر في الثلاثينات جالسة في هذا المكان تعالج هذا النوع من الحيوانات، تعاشر المريض منها، ومع ذلك في محل لا يوجد فيه ماء، ولا مرعى، لا يوجد فيه ما يوجد في أوربا من مباهج الحياة، وزينتها، ولا يوجد شيء من الجمال الموجود في البلاد الأفريقية، كل ذلك منعدم، جزيرة قاحلة، تصبر هذه المرأة، ولا ينثني عزمها، وتعيش مع هذه الحيوانات.

تصور لو أن امرأة من نسائنا ذهبت هناك، وانقطعت للدعوة إلى الله   ماذا نقول عنها، ونحن نحمل الحق، والتوحيد؟ لو أن بعض الشباب، أو الرجال ذهبوا إلى تلك الأماكن، وتفرغوا يدعون إلى الله - تبارك، وتعالى - ماذا نقول عنهم؟، وهم يعرفون قيمة ما يبذلون، قال الله : إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [النساء:104] فلماذا يتأخر أصحاب الحق، وهم حملة الرسالة، وهم من خير أمة أخرجت للناس؟ لماذا تضعف عزائمنا؟ ولماذا يبقى كثيرون ليس لهم شأن إلا أن يكتسبوا، وأن يأكل، وينام، ويتنـزه؟ ليس له همة في تبليغ دين الله إلى الناس، وليس له مشاركة في هذه الأعمال الصالحة المتعدية، وإذا قدم شيئاً يسيراً لربما يمنّ على الله .

يتعجب الإنسان من جَلَد أهل الباطل، وصبرهم، وتفانيهم في باطلهم، ومن ضعف كثير من أهل الحق، تارة بالقعود عن الدعوة إليه، وتبليغه للناس، وتارة عن العمل به، وتجد الكثيرين من أبناء المسلمين ممن لو ذهب إلى تلك المحال لربما تمسح به الناس جهلاً منهم، وإلا فإن هذا التبرك لا يجوز، يكفي أن يعرف الناس أنه قد قدم من هذه البلاد ليكون دافعاً قوياً يدفعهم إلى التمسك بدينهم، والصبر عليه، والدعوة إلى سبيل الله - تبارك، وتعالى -.

 
لو بعثتم لنا في الأجازة الصيفية طالباً في المرحلة الثانوية

في بعض المؤسسات الكبيرة في بعض البلاد الشرقية كإندونيسيا لربما كان للمؤسسة الواحدة مائة فرع، ولربما، وجدتَ المؤسسة الواحدة لها عشرات الآلاف من التلاميذ، ذكر لي أحد مدراء هذه المؤسسات قال: لنا طلب واحد منكم، فقلت: ما هو؟ فقال: نحن نعلم أن أهل العلم عندكم مشغولون، ولكن لو بعثتم لنا في الأجازة الصيفية طالباً في المرحلة الثانوية، فقلت: وماذا يمكن أن يقدم لكم مثل هذا الإنسان الذي يحتاج أن يحصّل من العلم، ومن الخبرة، ومن التجربة؟! فقالوا: لا نريده أن يعلمنا، وإنما يكفي أن يتسامع الناس أن بيننا أحداً من أبناء الصحابة، فذلك أعظم دعم تقدمونه لنا.

ولربما رأينا الأطفال، وهم يخرجون من المدرسة، فإذا رأونا بهذه الهيئة بدأوا يرددون بأعلى صوتهم:

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع

وفي هذه الأثناء يتألم الإنسان كثيراً حينما يرى الضياع، والشرود عن منهج الله - تبارك، وتعالى - واتباع سنن المضلين الضالين من اليهود، والنصارى، والوثنيين، وأصبحنا نقلد كل آفة تدب على هذه الدنيا، ونستورد كثيراً من المفاهيم، والأفكار، بل لربما العقائد، إضافة إلى المظاهر، والصور، والأشكال في أزيائنا، وأخلاقنا، وعاداتنا، ومأكلنا، ومشربنا، وما إلى ذلك، نأخذ ذلك بوعي، وبغير وعي، وكأننا من أمة مفلسة ليس لها تراث حضاري، وليس لها قيم، ومبادئ، وعقائد، كأننا من قوم لا تاريخ لهم، ولا دين، وإنما نقتات على موائد الشرق، والغرب، فترى جموعاً من الشباب لم يعرفوا قدرهم، ومنـزلتهم.

قد هيّئوكَ لأمرٍ لو فطنتَ له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ

ولربما رأيت عند مراكز الهيئات أشياء، وأشياء مما يندى له الجبين مما يتعاطاه أبناؤنا، وكنا نظن أن المسألة لربما تقف عند حد الانغماس في الشهوات، أما أن يصير ذلك إلى حالٍ تُودي بالعقائد، والأديان حتى لربما صار الإنسان يعبد الشيطان فإن هذا أمر لا يخطر على البال بحال من الأحوال.

انظروا إلى هذه النماذج التي ما كنا نظن أن شبابنا يقعون فيها، ويتعاطونها، وهي غيض من فيض، إنما أتيت بشيء يسير مما تحمله هذا الحقيبة.

هذه سيور بعضها قد كُتب عليه الإنجيل يلبسها بعض شبابنا، وهذا يطلب البركة من الرب، وهذا رمز قد وضع في قلادة لعبدة الشيطان، لربما علقه الإنسان على رقبته، وهو لا يفقه، ولا يعرف حقيقته، وماذا يعني تعليق مثل هذا الشعار، وماذا يؤثر في دين الإنسان، ومعتقده، لربما فعلوا ذلك جهلاً منهم، وهذا قد لبسه أحد الشباب في أحد الأسواق، ووضعه على صدره، وهو من أبناء المسلمين، وحينما سئل: هل تعرف هذا؟ قال: نعم، لماذا لبسته؟ قال: لبسته من أجل التجديد، والتغيير، والإغراب، ولفت الأنظار.

وهذا شعار آخر أيضاً هي قلادة لعبدة الشيطان، شعار لمن يعبدون الشيطان، هل يمكن أن يُتصور أن أحداً من ورثة الصحابة يمكن أن يصل الأمر به إلى هذا الحد؟

وهذه أيضاً عبارة عن جماجم يتخذها عبدة الشيطان قلادة، ولو رأيتم تلك المناظر ستجدون أنها ليست لها صورة جميلة، وليست لها قيمة في معناها، وليست لها قيمة نقدية، فهي ليست من جواهر نفيسة، ولا من ذهب، وإنما هي سيور كريهة المنظر، وجماجم من معادن رخيصة، يضعها الشاب في عنقه، هذه المشاهد، وغيرها كثير، ومن أراد فليسأل الإخوة العاملين في الحسبة يجد عندهم أكواماً.

أقول: هذه تدل على ماذا؟ تدل على إفلاس، وضياع، تدل على قوم قد امتلأت نفوسهم من الفراغ، فصاروا يعبثون هذا العبث الذي لربما لم يدركوا أبعاده، وخطورته، ومع ذلك فإننا لا نيأس، بل إنني أقرأ في ثنايا هذا تفاؤلاً كبيراً، وذلك أن هؤلاء قد ملّوا من كل شيء، فأصبحوا يبحثون عن مثل هذه الأشياء مع أنها قبيحة لا تمثل لهم لذة، ولا جمالاً، ولا معنى يمكن أن يتميز به الإنسان عن غيره مما يغبطه الناس عليه، فمثل هذا الفراغ، ومثل هذا الضياع، وهذا الملل يدل على أن هؤلاء في غاية القرب إذا قُدمت لهم الدعوة بصورة صحيحة جذابة، فهؤلاء بحاجة إلى شيء من التلطف، والرحمة، إذا نظر الإنسان إليهم بعين الشرع فإنه يتعامل معهم بمقتضى ذلك، وإذا نظر إليهم بعين القدر فإنه يرحمهم.

أقول: هؤلاء لربما لو كُلِّموا بكلام يسير لكن فيه شيء من الحنو، ويشعرون بمشاعر صادقة، ورحمة فما يلبث الواحد منهم حتى تتساقط دموعه على خديه، ويعلن لك صراحة ما يعانيه من الفراغ، والضيق، والكدر الذي لربما تمنى معه الموت، فهو لا يجد سبيلاً يصرف فيه مثل هذه المشاعر، فيبحث هنا، وهناك فيقع في مثل هذه الأودية من أودية الهلكة.

هؤلاء بحاجة إلى شيء من الرحمة، وقد قال بعض الفضلاء المعاصرين: إن هؤلاء الذين يبدون لنا لأول وهلة أنهم أشرار لو أنهم وجدوا من ينصت إلى مشكلاتهم، ويمسح على آذانهم، ويشفق عليهم، ويتحمل كثيراً من حماقاتهم فإن هؤلاء إن وجدوا الصدق فإنهم سرعان ما تتكشف هذه القشرة الصلبة التي تغطي ظاهرهم عن ثمرة حلوة شهية، فيُبدون لك مشاعر طيبة، وأحاسيس تكتشف بها أن هؤلاء ليسوا بعيدين، بل هم في غاية القرب مع أن ظاهرهم لا يُشعر بذلك إطلاقاً.

لذلك ينبغي للإنسان أن لا ييأس من رحمة الله - تبارك، وتعالى - وأن لا يستبعد ذلك على أحد من الناس مهما كان قدر الانحراف الذي قد بلي به.

انظروا إلى أصحاب النبي ﷺ عمر، وأمثال عمر كيف كانوا قبل الإسلام؟ ثم كيف حولهم الإسلام؟

إن الكثيرين من أولائك الشاردين عن الحق يمكن أن يتحولوا في يوم من الأيام إلى أنصار له، يتحمسون أكثر مما تتحمس، قد يكون هذا قريباً لك، أو جاراً، أو زميلاً في الدراسة، أو في العمل، ولربما عاملته بشيء من الفظاظة، والقسوة؛ لأن هذا في نظرك لا يستحق إلا ذلك، لكن لو جربت شيئاً آخر فقد يتبدى لك غير ذلك، قد يتبدى منه معانٍ قد لا تخطر لك على بال.

وأظن أن كثيراً من الإخوة لهم تجارب في ذلك، ويهتدي فئام من الخلق في كل مرة بكلمات يسيرة، وكثيراً ما يعبر هؤلاء أنهم كانوا يتمنون أن يسمعوا كلمة طيبة، أو أن يأتي إليهم أحد، ولكنهم قد يستوحشون من ارتياد الأماكن التي لربما يتهيبون دخولها، فينبري بعض الإخوة، ويحتسب عند الله ويذهب إليهم، ويدعوهم إلى ملتقيات، وبرامج بمختلف أنواعها.

وقد سألت بعض من يرِد على هؤلاء في محالهم فأخبروني أنهم ما سمعوا كلمة تعاب مما يصدر من هؤلاء، بل كانوا يلقونهم بالترحاب، والفرح، ويشكرونهم على مجيئهم.

لقد رأينا هذا كثيراً، بل زرت بعض هؤلاء ممن هداهم الله في بعض المخيمات في استراحة في رمضان فلم يكن ذلك المشهد يخطر على بال، كنت أتوقع أن أجد خمسة عشر، أو عشرين فرأيت جموعاً كأنهم قد حضروا لحفل زواج، جموع كثيرة جداً قد امتلأ بهم المكان، كل هؤلاء كانت استجابتهم بسبب كلمات سمعوها هنا، أو هناك.

فالناس فيهم قدر من الصلاح، والخير، والنفس قد تتحرك في بعض الأحيان، ويفكر الإنسان فيما هو عليه، وقد تمر به بعض الشدائد، وقد يصيبه الملل، قد يصيبه الملل حتى من الشهوات، ما يجري في بعض الأماكن مما يسمونه بالكشكشة، يجتمع جموع مئات من الشباب البائس يلبس بعضهم زي النساء، ولربما قارفوا بعض ما لا يليق، ولربما حضر جموع منهم للفرجة، قد ملوا من مخالطة النساء، فبدءوا يبحثون عن شيء آخر، هؤلاء يملون حتى من الشهوات، والأمر كما قال الحافظ ابن القيم - رحمه الله -: "إن في القلب وحشة لا يزيلها إلا الإنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه فاقة - فقر - لا يذهبه إلا صدق اللجوء إليه، ولو أُعطي الدنيا، وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً"، فهو فقر ذاتي، لا يمكن أن يحصل الانشراح، واللذة، والسعادة إلا بالإقبال على الله - تبارك، وتعالى - ومهما تعاطى الإنسان من أنواع الملذات، والشهوات المحرمة فإن الوحشة تغمره، وتملأ قلبه، وصدره، ونفسه، فمثل هؤلاء هم بحاجة إلى شيء من التوجيه، والنصح، والدعوة، لكن المشكلة أن أكثرنا سلبيون، ليس له همة، وليس له عمل يمكن أن يتعدى إلى غيره.

إذا كان هؤلاء في هذه البلاد الطيبة الطاهرة، وهم يرون الخير، والمعروف، ومع ذلك نستبعد عليهم سلوك طريق الخير، فماذا يقال عن الأبعدين؟

دين الله للجميع، وينبغي أن يقدم للجميع، وأن تهتدي به تلك النفوس الضالة التي تاهت، وشقيت بضلالها، وعتوّها، وانحرافها، فنحن ننقذهم من بؤس حاضر في الدنيا، وننقذهم من عذاب، ونار تلظى في الآخرة.

 
كيف عرفت الإسلام

لعل من أعجب الأشياء التي رأيتها - وأختم بها - مما يلائم في هذا ما شاهدته في حج الجامعة الإسلامية، وكان قد انتُقِي لتلك الحجة من كل جنسية طالب واحد، أو طالبان، فكنا في الطريق إلى عرفة، وإذا بشاب من بعض البلاد الإفريقية، وكنت واقفاً، وهو بجانبي، فلما طال الانتظار، والوقوف، ونحن في السيارة أردت أن أداعبه - ليس أكثر من ذلك - فقلت له: ما اسمك؟ فقال: فلان بن فلان بن فلان ابن السيدة مريم، فتعجبت من هذا الاسم، وسألته: هل هو من أسرة مسلمة، أو من أسرة نصرانية؟ فقال: من أسرة نصرانية.

 انظروا إلى هداية الله التي إذا جاءت لا يردها شيء، فقلت له: وكيف عرفت الإسلام؟ فعبر بلفظة - أذكرها نصاً - قال: "كنت شيطانياً" يقول: كنت من أسرة تبيع الخمور، من النصارى، يقول: فكان الناس كثيراً ما يتأذون بسببي، كنت أسرق من هذا، وأضرب هذا، وأتعدى على هذا، فيقول: ذات مرة سرقت ما يقارب ثلاثين ألف دولار من عمي، فجاءت الشرطة، ووضعوني في السجن، فإذا ببعض الدعاة المسلمين، يتلقفوني، فعلموني الإسلام، فأسلمت، وحفظت جزء عم، وعلموني تفسير هذا الجزء، وتعلمت أحكام العبادات، وخرجت من السجن إلى أهلي بعد مدة، فإذا بي قد تغير كل شيء عهدوه مني، فسألوني عن ذلك، فقلت لهم: قد أسلمت، يقول:، وكانت والدتي متعصبة لدينها، فأخرجتني، وطردتني من منـزلنا، يقول: فخرجت إلى العاصمة، ثم أرسلت إليهم، وطلبت أن يبعثوا معي أختي لتدرس الثانوية في العاصمة فقالوا: لا نرسلها؛ لئلا تفسدها بدينك، فوعدتهم ألا أعرض عليها الإسلام، فأرسلوها، فعلمتها الإسلام، فأسلمت، يقول: فعلمت أمنا فجاءت، وخاصمتنا، وأخذتها، ثم بعد ذلك أبت أن ترجع إلى دينها، فطرودها، فاتصلت بي، يقول: فأتيت فأخذتها من القرية إلى المدينة، يقول: كنت أجد كل شيء، النساء، والخمور، والأموال، فلما أسلمت ذهب كل شيء، يقول: كنت أمشي في الليلة الواحدة لربما عشرات الكيلو مترات فأكثر على الأقدام، أجتمع مع بعض الدعاة، ونخطط للدعوة إلى الله  ولنشر الإسلام، وذات يوم رجعت في ساعة متأخرة إلى منـزلي فأصابني ما أصابني من التعب، فجلست على الرصيف، وجلست أعيد شريط الذاكرة أتذكر أيام الضلال، وما فيها من أموال، وشهوات، وما أنا فيه الآن لا أجد أجرة للسيارة، لا يجد أجرة حتى يصِل بها، يقول: ولكن أجد لذة، وسروراً، وانشراحاً لا يعادله ما في الدنيا من كنوز، وأموال، ولذات.

هذا الرجل تعجبت منه حينما أطلعني على بعض البرامج العلمية، والدعوية في بلادهم بعدما رجعنا من الحج، وإذا هي أشياء لا يتوصل إليها الإنسان إلا بنضج، وعلم، وخبرة في الدعوة، وعلى منهج أهل السنة، والجماعة، هذا الرجل الذي كان خمّاراً، ومن أسرة تبيع الخمور، وتفعل الأفاعيل يتحول إلى هذا الداعية الصابر.

وإذا بالآخر الذي لربما تعطيه أنه لا يجاوز في العمر خمس عشرة سنة كأنه من بعض البلاد الشرقية، فسألته - وهذه وقفة في الباص في الطريق إلى عرفة - من أين أنت؟ قال: من كوريا، قلت له: وهل أنت من أسرة مسلمة؟ قال: لا، من أسرة وثنية بوذية، يقول: فانتقلنا إلى ماليـزيا، فقرأت عن المسيحية فتنصرت، ودعوت والدتي، وأخي، وأختي فتنصروا، ثم ذهبت إلى بعض المراكز الدعوية، فقرأت عن الإسلام، وتعلمت الإسلام، فأسلمت، فدعوت أمي، وأختي، وأخي فدخلوا في الإسلام، ودعوت أبي فأبى، وطلق أمه - أبوه طلق أمه لما أسلمت - يقول: فأتيت إلى الجامعة لدراسة اللغة العربية.

هذا الشاب لما وصلنا إلى عرفة - إلى المخيم - ومعنا نحو مائة طالب، رمقته فالطلاب أسرعوا إلى الفرش في حر شديد في وسط الظهيرة، فنظرت إليه فقام من دون أن يطلب منه أحد، وسقا الجميع، سقا الجميع، ثم بعد ذلك اختفى، فتلفتُ قريباً من المخيم فإذا هو قد دخل بين الخيام في مكان ضيق جداً، واستقبل القبلة، وجعل يدعو، في الظهيرة في حر الشمس، مَن علّم هذا؟! ومن رباه هذه التربية، وهو حديث عهد بالإسلام؟! والواحد منا لربما يقول عن نفسه بأنه متدين، وملتزم، ومنذ عشرين سنة، أو عشر سنوات، أو نحو ذلك، وهو يفرط حتى في الوتر، وفي السنن الرواتب، ولا يصلي إلا في أطراف الصفوف، وإذا جاء إلى المسجد، واكتشف أن المؤذن قد أذن للتو، أو أنه لم يؤذن لربما ندم أنه قد غلط فوصل إلى المسجد قبل الوقت الذي كان ينبغي أن يصل إليه.

فأقول: نحن بحاجة إلى إعادة النظر في أنفسنا، وفي عملنا، وفي صبرنا، وفي جهادنا، وتضحيتنا، نحن نرجو ما عند الله - تبارك، وتعالى - فهل ما نبذله، وما نقدمه يصلح أن نتقرب به إلى الله حقاً؟ إذا كان أهل الباطل كما وصفتُ، ثم بعد ذلك يقع منا مثل هذا التفريط فإنه لعيب كبير في حقنا.

هذه دعوة إلى النظر، والتذكر، والاعتبار، وإن كنت لا أحسن إيراد مثل هذه الأخبار، ولم أعتد على ذلك،

فأسأل الله أن يبارك لي، ولكم فيما سمعنا، ويجعلني، وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

نجيب على بعض الأسئلة سريعاً.

يقول: بماذا نقضي وقت الفراغ لكي يذهب الملل؟

نقول: شارك في مثل هذه البرامج في اللجان، مع المندوبيات الدعوية، شارك في أعمال الدعوة إلى الله أياً كانت، أشغِلْ، وقتك في قراءة القرآن، قراءة الكتب المفيدة، حضور مجالس العلم، حضور المحاضرات، ومن عوّد نفسه الجد فإنه لن يعاني من الفراغ، بل سيعاني كثيراً من ضيق الوقت.

إن الناس الذين لربما علا وجوهَهم شيءٌ من الكآبة بسبب ما يعانونه من الفراغ قد يعلو وجوهَهم شيءٌ من الكآبة بسبب حزنهم على الأوقات، وأنهم لا يستطيعون أن يحققوا كل ما يؤملون، فينعكس ذلك حزناً صائراً في النفس، فالنفس كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم.

يقول: يتكلم عن  دعوة أهل البدع؟

نقول: من يُحسن يدعوهم، ومن لا يحسن يدعو في أوساط أهل السنة، والجماعة فقط، لا يدخل في تلك المضايق.

يقول: هل مر بك موقف صعب في حياتك؟

أقول: أنا لست من أصحاب القصص، ولا أحسنها، ولأول مرة ألقي محاضرة أذكر فيها قصصاً، فما في بالي شيء مما يسأل عنه الأخ.

يقول: أريد يا شيخ أن تحكي لنا قصة حدثت لك..

على كل حال موقف صعب، المهم العنوان الذي أعلن عن المحاضرة ليس هو العنوان الذي كنت فهمته قبل ذلك، هذا موقف، علمتُ عنوان المحاضرة حينما حضرت معكم الآن، هذا من المواقف المحرجة.

يقول: أريد أن أحكي لك قصة، يعني يذكر إنساناً يقارف ما لا يليق مع زوجته أمام الناس.

أقول: يقول النبي ﷺ: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت[1].

يقول: هل يجوز للمرأة أن تسافر للدعوة إلى الله مع زوجها لمدة شهر، وتترك أبناءها، وبناتها عند بيت أجدادهم، أو أخوالهم؟

إذا كان ذلك لا يؤثر على تربيتهم فلا بأس إذا كان هؤلاء قد خرجوا للدعوة يدعون فيها على الجادة، ولزوم السنة، وبالعلم، وأما إذا كان هؤلاء الأبناء، والذرية يضيعون، ويتأثرون فتكون:

كمرضعةٍ أولادَ أخرى وضيّعتْ بني بطنِها هذا الضلالُ عن القصدِ

يقول: نريد أن نعرف إصدارات الشيخ؟

ما هناك شيء يستحق أن يقضى الوقت فيه.

يقول: حدثنا عن هذه القرية أين هي؟ وفي أي عام؟ وهل لك كتب، أو شريط إسلامي؟ ومن أي مدينة أنت؟

أما القرية، والمدينة، والمكان فهذا مثل السؤال عن أصحاب الكهف، أو السؤال من أي خشب سفينة نوح؟ وما هو أول حيوان ركب، وما هو آخر حيوان؟ ويقولون: الحمار آخر واحد ركب فتعلق الشيطان في ذيله، فوجدوا الأسد فخافت منه الدواب، والحيوانات، فألقى الله عليه الحمى، ثم بعد ذلك عطش، وكانت الفأرة تفسد في السفينة، فخرجت الفأرة من عطسة الأسد، فكان ذلك أول خلق الفأرة، وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، وإذا ذكرت أي قصة من القصص القرآنية بدءوا يشتغلون كم عدد كذا؟ وأين؟ وكم حجم عرش بلقيس؟ وأشياء لا داعي لها.

هذه القرية في أفريقيا، وكانت القصة في سنة (1412هـ)، وأما هذا الذي في الجامعة فكان سنة (1416هـ)، أو (1415هـ)، أما المدينة التي أنا منها فمن الدمام، الآن، وكنت في المدينة النبوية.

يقول: ما معنى علم الفراسة؟

الفراسة نوع من بصر القلب، يميز فيه الإنسان الأشياء، ويعرف حقائقها، بأمارات، وأمور معينة يكشف الله  له بها بنور البصيرة، فإذا أشرقت النفس، وأشرق القلب، واستضاء بنور الله - تبارك، وتعالى - يصير للإنسان فراسة لا تكاد تخطئ.

يقول: يسأل عن الناس...؟

أقول: ينبغي للإنسان أن يشتغل بذنوبه، وينظر في عمله، وتقصيره، ويقدم على ما ينفعه، ويقربه.

ويقول: أحبك في الله.

أحبك الله.

يقول: كيف يوفق طالب العلم بين طلب العلم، والدعوة؟

أقول: لا تعارض، أول ما تعلمنا أن الإنسان يتعلم العلم، ثم العمل، ثم الدعوة، ثم الصبر، إذا تعلمت آية فبلغها بلغوا عني ولو آية[2] تعرف أن الصلاة واجبة، وتعرف إنساناً لا يصلي، فقل له: صلِّ جزاك الله خيراً، رأيتَ أمرأة متبرجة، قل لها: يا أمة الله لا تتبرجي، وما أشبه ذلك.

يقول: أنا طالب في أحد التحافيظ، وأشعر أحياناً بالرغبة في ترك التحفيظ؛ لأن أصدقائي في الشارع يضايقونني، ويحثونني على ذلك.

الله يقول: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [سورة الكهف:28].

يقول: نعلم أن كثيراً من الشباب في ضياع إلا من رحم الله، ويذكر أحوالهم في الأسواق، ودعوتهم إلى الله  نريد أن يذهب بعض من يعمل في الحسبة.

الجميع على كل حال ينصح هؤلاء، هذا جارك، وهذا قريبك، فلماذا تبقى فجوة كبيرة؟ ومثل هؤلاء قد يحتاجون إلى كلمة، أو شريط، بعض الناس اهتدى، وكتب هدايته، وأنها بسبب شريط أعطاه إياه شاب لا يحسن أن يتكلم، يقول: كان يُركبني في السيارة، ثم يدور ساعة كاملة في الحي حتى أسمع الشريط، ثم أتوقف، وأنزل ثلاث مرات، فكانت هدايتي.

وآخر يقول: ذهبت إلى الرياض لأدرس هناك، ونحن من أسرة من البادية - أجلاف - يقول: فدخلت على أهلي، وقد تعلمت أشياء بسيطة لأول وهلة، فقلت لهم: يا جماعة هناك نار تحرق الإنسان إلى العظم، يقول أحد هؤلاء الذين سمعوه، وهو من قرابته من الشباب يقول: فوقعت هذه الكلمة في نفسي موقعاً، فكان ذلك سبباً لهدايتي، السبب هذه الكلمة البسيطة (نار تحرق إلى العظم).

يقول: ما حكم لبس البرمودا الذي يكون تحت الركبة؟ وهل فيه تشبه؟

إن كان اتخاذه من الأزياء فليس ذلك من أزيائنا، وإنما هو من الأزياء التي وفدت علينا، فينبغي للإنسان المسلم أن يتميز.

يقول: أصابت ثوبي نجاسة، ولم أعلم، ثم استنجيت، وتوضأت، وصليت بهذا الوضوء صلاة الظهر، والعصر، ولم أعلم بالنجاسة إلا بعد صلاة العصر فما حكم صلاتي؟

صلاتك صحيحة؛ لأن هناك فرقاً بين إزالة النجاسة، وبين رفع الحدث، فرفع الحدث الأكبر، والأصغر لابد فيه من الطهارة، فإذا اكتشفت أنك لم تتوضأ، أو لم تغتسل فإنه يجب عليك الإعادة.

وأما إزالة النجاسة فإذا تبين لك أن في البدن، أو الثوب نجاسة كنت قد علمتها، ثم نسيتها، أو أنك لم تعلم بها أصلاً، ثم اكتشفتها فإن الصلاة صحيحة، فإن علمت بها أثناء الصلاة فاخلع ذلك عنك، وأكمل صلاتك، كما فعل النبي ﷺ حينما خلع نعليه، وقال: إن جبريل أخبرني أن بهما قذراً[3] وإن كان لا يمكن خلعه فلا إشكال أن يقطع الإنسان الصلاة، ثم يبدأ من جديد بعد أن يتخلص من هذه النجاسة.

هذا وأسال الله أن يغفر لنا، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يتقبل منا صالح الأقوال، والأعمال، وصلى الله، وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

  1. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب إذا لم تستحي فاصنع ما شئت، برقم (6120).
  2. أخرجه البخاري في كتاب: الأنبياء - باب: ما ذكر عن بني إسرائيل (3274) (ج 3 / ص 1275).
  3. أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة - باب: الصلاة في النعل (650) (ج 1 / ص 231)، وابن حبان (2185) (ج 5 / ص 560)، والحاكم (486) (ج 1 / ص 235)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (766).

مواد ذات صلة