الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
[12] من قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية 101 إلى قوله تعالى: {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} الآية 109
تاريخ النشر: ١٢ / ربيع الآخر / ١٤٢٩
التحميل: 2324
مرات الإستماع: 2160

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:

قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ۝ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ۝ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة يونس:101– 103].

يرشد تعالى عباده إلى التفكر في آلائه وما خلق الله في السماوات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب مما في السماوات من كواكب نيرات، ثوابت وسيارات، والشمس والقمر والليل والنهار واختلافهما، وإيلاج أحدهما في الآخر، حتى يطول هذا ويقصر هذا، ثم يقصر هذا ويطول هذا، وارتفاع السماء واتساعها وحسنها وزينتها، وما أنزل الله منها من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها، وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والأزاهير وصنوف النبات، وما ذرأ فيها من دواب مختلفة الأشكال والألوان والمنافع، وما فيها من جبال وسهول وقفار، وعمران وخراب، وما في الأرض من العجائب والأمواج، وهو مع هذا مسخَّر مذلل للسالكين، يحمل سفنهم ويجري بهم برفق بتسخير القدير لا إله إلا هو ولا رب سواه.

وقوله: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ أي: وأي شيء تجدي أو تغني الآيات السماوية والأرضية، والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها عن قوم لا يؤمنون؟ كقوله: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [سورة يونس:96] الآية، وقوله: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [سورة يونس:102] أي: فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إلا مثل أيام الله في الذين خلوا من قبلهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلهم؟

قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ۝ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا [سورة يونس:102، 103] أي: ونهلك المكذبين بالرسل، كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ، حقاً أوجبه الله تعالى على نفسه الكريمة كقوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [سورة الأنعام:54].

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ يقول الحافظ -رحمه الله: "وأي شيء تجدى أو تغني الآيات السماوية والأرضية والرسل بآياتها وحججها وبراهينها؟ "، ففسر الآيات بالآيات السماوية والأرضية التي تدل على وحدانية الله وقدرته، وكذلك الآيات التي جاءت على أيدي الرسل من المعجزات والبراهين الدالة على صدقهم، وصحة ما جاءوا به، وأما النُّذر ففسره بالرسل، وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ قال: "والرسل بآياتها وحججها" لعل الحافظ -رحمه الله- لاحظ فيه معنىً آخر للنذر، أنه جمع نذارة فيكون النذر جمع نذير، أي الرسل.

ويحتمل أن يكون النذر من النذارة يعني ما يحصل به الإنذار، وهذا يحصل بأمور كثيرة من الآيات التي فيها الوعيد، ويحصل ذلك بما يرونه ويشاهدونه، مما ينذرهم ويخوفهم بأس الله -تبارك وتعالى، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فكل ما يصدق عليه ذلك فإن هذا لا يغني عن قوم لا يؤمنون.

والمقصود بالقوم الذين لا يؤمنون: الذين طبع الله على قلوبهم وكتب عليها الكفر، فمهما جاءهم من الآيات والبراهين فإنهم لا ينتفعون به وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [سورة يوسف:105]، وقوله: فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ [سورة يونس:102] يعني ما وقع لهم من المَثُلات والعقوبات.

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۝ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ۝ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [سورة يونس:104– 107].

يقول تعالى لرسوله محمدٍ ﷺ: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ من صحة ما جئتكم به من الدين الحنيف الذي أوحاه الله إليّ فأنا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، ولكن أعبد الله وحده لا شريك له، وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم ثم إليه مرجعكم، فإن كانت آلهتكم التي تدعون من دون الله حقاً فأنا لا أعبدها فادعوها فلتضرني فإنها لا تضر ولا تنفع، وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له. وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

وقوله: وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا الآية، أي: أخلص العبادة لله وحده، حَنِيفًا أي: منحرفاً عن الشرك، ولهذا قال: وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وهو معطوف على قوله: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وقوله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ الآية، فيه بيان لأن الخير والشر والنفع والضر إنما هو راجع إلى الله تعالى وحده لا يشاركه في ذلك أحد، فهو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وقوله: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أي: لمن تاب إليه ولو من أي ذنب كان، حتى من الشرك به فإنه يتوب عليه.

قوله -تبارك وتعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هذا يمكن أن يكون -والله تعالى أعلم- من باب الرد عليهم من جهة أن هذه المعبودات التي يعبدونها من دون الله أحق بالشك، كأنه وجّه ذلك إليهم إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله هم أولى وأحرى بالشك، هكذا فهِم بعض أهل العلم أنه عرّض بآلهتهم، بمعنى أنها أحق بالشك مما هو عليه، فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ.

وهذا كقوله -تبارك وتعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [سورة الكافرون:1، 2]، يعني في الحال، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ [سورة الكافرون:3، 4] في المستقبل، لن أتحول إلى عبادة معبوداتكم.

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ۝ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [سورة يونس:108، 109].

يقول تعالى آمراً لرسوله ﷺ أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند الله هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفع ذلك الاتباع على نفسه، ومن ضل عنه فإنما يرجع وبال ذلك عليه، وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أي: وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين، وإنما أنا نذير لكم، والهداية على الله تعالى.

وقوله: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ أي: تمسك بما أنزل الله عليك وأوحاه إليك، واصبر على مخالفة من خالفك من الناس، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ أي: يفتح بينك وبينهم، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ أي: خير الفاتحين بعدله وحكمته.

الحكم يقال له: فتح، والحاكم فتَّاح، ويقال للحكم فُتاحة.

مواد ذات صلة