الخميس 09 / شوّال / 1445 - 18 / أبريل 2024
(33- أ) حرف الواو من قوله ولج إلى قوله وزير
تاريخ النشر: ٠٣ / شعبان / ١٤٣٦
التحميل: 1492
مرات الإستماع: 1577

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمُتقين، وصلَّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولشيخنا، والحاضرين، والمستمعين.

أما بعد: فيقول الإمامُ ابن جُزي الكلبي:

"ولج، يلج، أي: دخل، ومنه: مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ [سبأ:2].

وأولج، يُولج: أدخل، ومنه: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [فاطر:13]".

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فهذه المادة أرجعها ابنُ فارس -رحمه الله- أيضًا إلى هذا المعنى، وهو أنَّها تدخل على دخول شيءٍ[1]، تقول: ولج في منزله، يعني: دخل، والوليجة: البطانة والدُّخلاء، يعني: كأنَّك أدخلته عليك، ومَن تصطفيه بسرِّك وودِّك، ويستوي في ذلك المذكر والمؤنث: الوليجة، كما يستوي فيه أيضًا المفرد، والمثنى، والجمع، فهو من الولوج، يعني: كأنَّك أدخلته على سرِّك وباطنك، أو باطن أمرك: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً [التوبة:16].

فهذه المادة -كما ترون- ترجع إلى هذا المعنى الذي هو الدُّخول، يقول الله -تبارك وتعالى-: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] يعني: حتى يدخل.

وهكذا في قوله: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا [سبأ:2]، وكذا قوله -تبارك وتعالى-: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [الحج:61].

في الطَّبعة الأخرى، أظنّ هنا فيه سقط، أليس كذلك؟

"وهن، يهن: ضعُف، ومنه: وَهَنَ الْعَظْمُ [مريم:4]، والوهن: الضَّعف".

وهن –بالفتح- يَهِن، أي: ضعف.

هذه المادة أرجعها ابنُ فارس -رحمه الله- إلى معنيين:

الأول: يدلّ على ضعفٍ، يُقال: وهن الشَّيء، يهن، وهنًا، يعني: ضعُف.

والثاني: يدلّ على زمانٍ، فالوهن والموهن: ساعة تمضي من الليل، وأوهن الرجل: سار أو صار في تلك السَّاعة[2].

وهذا المعنى الثاني لم يرد في القرآن، وإنما الذي ورد هو المعنى الأول، وهو الذي ذكره ابنُ جُزي -رحمه الله-؛ لأنَّه يُعنى بما يتّصل بغريب القرآن، فيُقال: وهن الرجل: جَبُن عن لقاء عدوه.

لاحظ: استعمله في الوهن بنوعيه: الوهن الحسي، والوهن المعنوي، فهذا يرجع إلى الضَّعف: فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران:146]، وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ يعني: لا تضعفوا في طلبهم، إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ [النساء:104]، لا تجبنوا، ولا تضعفوا، ونحو ذلك، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ [العنكبوت:41] يعني: أضعف البيوت.

يُقال: أوهنه، أي: أضعفه، والفاعل منه: مُوهِن، ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [الأنفال:18] يعني: مُضْعِف، قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا [مريم:4]، وهن يعني: ضعُف، الكبير يُصيبه ضعف عامّ، ومن ذلك ضعف العظام التي عليها قِوام البدن، وما يُسميه الأطباء: هشاشة العظام، هذا أمرٌ من الطَّبيعي أن يقع للإنسان مع تقدّم العمر، لكن ما عليه إلا أن يُروض نفسَه على هذا، وإنما المستغرب، أو الـمُستنكر، أو لا أقول: مُستنكرًا، لكن ما يكون على خلاف العادة: أن يكون قويًّا لا يشعر بشيءٍ مع تقدّم العمر.

"ورد الماء، يرده: إذا جاء إليه، وأورده غيره: فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ [يوسف:19] الذي يتقدّمهم إلى الماء، فيسقي لهم".

هذه المادة أرجعها ابنُ فارس -رحمه الله- إلى أصلين:

الأول: الورود، الموافاة إلى الشيء، وهذا هو الذي ورد في القرآن، وهو الذي تحدّث عنه ابن جُزي -رحمه الله-، ومن ذلك يُقال: الوِرد خلاف الصّدر، يُقال: وردت الإبلُ الماء، ترده، وِرْدًا.

والوريدان: عرقان مُكتنفا صفقي العُنق، مما يلي مُقدَّمه، غليظان، ويُسميان أيضًا من الورود، كأنَّهما توافيا في ذلك المكان، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]. فهو يُرجع ذلك أيضًا إلى هذا المعنى.

الأصل الثاني: لم يرد في القرآن، وهو لونٌ من الألوان، لون الورد، يُقال: وردي.

هذا الذي ذكره ابنُ فارس -رحمه الله- في هذين المعنيين[3].

والمعنى الأول هو الذي جاء في كتاب الله -تبارك وتعالى-، يُقال: ورد الموضع، يرده، ورودًا، يعني: بلغه ووصل إليه، سواء دخله أم لم يدخله: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ [القصص:23] هو لم يدخل الماء، ولكنَّه بلغ الماء.

يقول الله : لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا [الأنبياء:99]، هنا الورود بمعنى: الدخول، دخلوها. ولاحظ الفرق بينه وبين الأول: ورد ماء مدين، وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71] هذا يحتمل؛ ففُسّر الورود بالدُّخول، وفُسّر أيضًا بالاجتياز على الصِّراط، فهذا الموضع يحتمل الأمرين.

وهكذا في قوله: أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98]، قال: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:98] هذا فرعون، وهو هنا بمعنى: الدخول، وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ.

ويُقال: وارد القوم هو الذي يتقدّمهم، يُرسلونه يستقي لهم الماء، يرد الماء قبلهم: فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ [يوسف:19].

وكان الناسُ في السابق حينما تسير القافلةُ، فقبل أن تصل إلى الماء، وقبل أن ترد الماء، يُرسِلون مَن يتقدّمهم إلى الماء، فيملأ الدِّلاء، وربما ملأ حوضًا، ويملأ القِرَبَ، ونحو ذلك، فإذا قدم القومُ يجدون الماء قد هُيّئ، فينزلون، ويشربون، ويستقون، وترد دوابهم الماء فتشرب.

هكذا كان الناسُ يملؤون الحياض ونحو هذا مما يتأتَّى لهم، هذا فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ؛ ولذلك يُقال لهذا الماء: وِرد، ويُقال له أيضًا: نهل، ويُقال للإبل ترد الماء: وِرد، كما يُقال أيضًا لأولئك الذين يأتونه للارتواء: وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ.

وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم:86]، هذا فسّره بعضُهم بأنَّهم -نسأل الله العافية- عِطاش، لكنَّه في الأصل يرجع إلى هذا المعنى؛ الذي يرد ليشرب، فهم قاصدون الارتواء، هذا في أصل المعنى، لكنَّهم حينما يقصدونه يكونون في حالٍ من العطش شديد، فعُبّر عن ذلك في المعنى والتَّفسير، وهكذا أيضًا سائر الاستعمال مما يرجع إلى هذا.

أمَّا المعنى الثاني مما لم يرد في القرآن، يُقال: وَرُودَ الفرسُ وُرْدَةً، كان لونُه لونَ الورد.

وبعض أهل العلم فسّر قوله -تبارك وتعالى-: فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37] بهذا المعنى: أنَّ لونها يميل إلى الحُمرة، اللون الوردي: وَرْدَةً كَالدِّهَانِ، فعلى هذا المعنى يكون قد جاء في القرآن بهذا الاعتبار، مع أنَّ ابن جُزي -رحمه الله- لم يتطرق إليه، لكن هو على أحد المعاني في التَّفسير، والله أعلم.

"أوزعني، أي: ألهمني، ووفّقني".

هذه المادة ذكر ابنُ فارس -رحمه الله- أنَّها لا ترجع إلى أصلٍ واحدٍ، يُقال: وزعته عن الأمر، بمعنى: كففته، فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل:17] أي: يُحبس أوّلهم على آخرهم، ويُجْمع الوازع على وزعة[4]. فهذا لونٌ من الاستعمال.

وذكر أيضًا بناءً آخر، يُقال: أوزع اللهُ فلانًا الشُّكر، بمعنى: ألهمه إياه، وهذا غير الأول الذي هو وزعته عن الأمر؛ كففته.

يقول: هو من أوزع، تقول: أوزِع بالشَّيء؛ إذا أولع به، كأنَّ الله -تبارك وتعالى- يُولعه بشُكره.

وتقول: بها أوزاع الناس، يعني: جماعات الناس.

هذا حاصل ما ذكره ابنُ فارس -رحمه الله-.

والمقصود: أنَّ هذه المادة يأتي منها: وزع الشّيء، تقول: وزعه، يزعه، وزعًا، بمعنى: كفَّه، تقول: وزعت الظَّالم عن ظلمه، بمعنى: كففته عن ظلمه.

ومن هنا أيضًا يُقال: وزع النُّقباء الجيش، ونحوه، يعني: كما قال : فَهُمْ يُوزَعُونَ الجيش لسليمان من الجنِّ والإنس والطَّير، ونحو ذلك، والعدد الكبير حينما يمشي ويسير تجد أنَّ البعض يتقدّم، والبعض يتأخّر، فيه بُطء، فيحصل بسبب ذلك تمدد وتفرّق، فالوزعة: النُّقباء مثلًا هم الذين يردّون المتقدّم، ويدفعون المتأخّر؛ لينضمّ هؤلاء بعضُهم إلى بعضٍ، ويُمثّلون لُحمةً وكُتلةً واحدةً تسير بانضباطٍ وانتظامٍ.

فجيش سليمان يُوزعون، يُردّ أوّلهم على آخرهم، ويُدفع آخرُهم، يُساق ليلحق ببقيتهم، وهكذا، هذا يُقال له: وزعة، الذين يزعون الناس ويدفعونهم لذلك: وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.

ويقال: أوزعه الشّيء إيزاعًا، يعني: أغراه، وأولعه به، وجعله شديد الإقبال عليه.

يُقال من هذا: أوزعه اللهُ أن يُطيعه، يعني: ألهمه ذلك، ووفّقه، وجعله مُقبلًا عليه، راغبًا فيه: وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ [النمل:19]، ولاحظ الكلمات التي بعدها، قال بعدها ...

"يُوزعون: يُدفعون".

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، وهكذا في قوله: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل:83] يُساقون إلى النار، فيُردّ آخرهم على أوّلهم، ويُردّ أولهم على آخرهم.

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت:19]، يُصور لك هذا المشهد للعدد الهائل الذي يُساق إلى النار، فيُردّ بعضُهم على بعضٍ؛ ليلتئم جمعهم، فلا يتفرَّقون. هذا معناه، والله تعالى أعلم.

ويحتمل أن يكون ما ذُكِر من المعنى: أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ كأنَّه يُردّ إلى الشُّكر، فلا يخرج عنه. ويحتمل أن يرجع ذلك إلى هذا المعنى أيضًا، وكأنَّ هذا الذي أُولع بشيءٍ يُردّ إلى هذا المعنى.

وهكذا أوزاع الناس، يعني: الجماعات، فمثل هؤلاء الذين يتفرَّقون جمعهم وضمّهم ونحو ذلك هذا هو وزعهم -والله أعلم-، فكأنَّ هذه المعاني لها نوع ارتباطٍ ببعضها: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [الأحقاف:15]، كأنَّه يُلهم الشُّكر، وهؤلاء الذين تفرَّقوا كأنَّهم صاروا أوزاعًا، فإذا ردُّوا فذلك وزعهم.

ويزع منه أيضًا، هذا يذكره أهلُ اللغة: "يزع بالسُّلطان"، فهذا الخارج عن طاعة الله  فإنَّه يُردع بالسلطان، فيحصل له رجوعٌ إلى صوابه، وإلى الحقِّ، فلا يخرج عنه بقوة السلطان، يُردّ هذا الشَّارد: "إنَّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"[5]؛ ولذلك يُقال: الوازع الدِّيني، وهو ما يزع الإنسان، فيردّه إلى الحقِّ، فيرجع عن انحرافه، أو خطئه، أو خروجه عن الحقِّ، وازع ديني: يزعه عن معصية الله .

"وليد: صبي، وجمعه: ولدان".

هذه المادة أرجعها ابنُ فارس إلى أصلٍ واحدٍ، يقول: "وهو دليل النّجل والنّسل"[6]، ثم يُقاس عليه غيره، وذكر من ذلك: الولد، وأنَّ الوليد يُقال للواحد والجمع، والأنثى يُقال لها: وليدة. هذا حاصل ما ذكر.

يُقال: ولدت المرأة، يعني: وضعت جنينَها، وهذا معروفٌ: إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ [المجادلة:2] يعني: ما أمّهاتهم إلا اللّائي ولدنهم، وهذا في الظِّهار.

أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [هود:72]، وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ [البقرة:233] هذا ظاهر.

ويُقال أيضًا: ولد الرجل، هل يلد الرجل؟

في اللغة يُقال: ولد الرجل، يعني: إذا وضعت له أُنثاه ولدًا، سواء كانت زوجةً، أو ملك اليمين، فيُقال: ولد الرجل، أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ۝ وَلَدَ اللَّهُ [الصافات:151-152]، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3]، وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233].

والوالد: مَن يُنسب إليه الولد، لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ [لقمان:33]، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7]، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83]، ونحو ذلك، وهذا ظاهرٌ.

وبعضهم فسّر قوله -تبارك وتعالى-: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [النساء:127] بالمماليك والعبيد، وأيضًا يُقال للخادم والشَّاب.

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الواقعة:17] الخدم، ويُقال للشَّاب أيضًا: ولد، بهذا الاعتبار.

ولا زال هذا مُستعملًا إلى اليوم، وربما يقوله بعضُهم للكبير؛ باعتبار أنَّ ذلك غلب في الاستعمال عندهم على الرجل، هذا في استعمال الناس اليوم، فالعُرف صار عندهم بهذا الاعتبار، يعني: توسيع المعنى، لكن يُراعى في ذلك عُرف الناس؛ فبعضهم يغضب من هذا إذا وجّه إليه، وخُوطِب به، يرى أنَّ ذلك من قبيل التَّنقيص لقدره، ونحو ذلك؛ لأنَّ الصبي يُقال في اللغة أيضًا للذي لم يبلغ، يُقال له: ولد، وصبي، ونحو ذلك: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ، فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا [المزمل:17]، والوليد يُجمع على هذا، يُقال: ولدان، والأنثى: وليدة، ويُقال أيضًا لحديث الولادة الصَّغير جدًّا؛ لقُرب عهده بالولادة: قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا [الشعراء:18] يعني: منذ حداثتك؛ لأنَّ أُمَّه ألقته في التابوت منذ ولادته.

"وجِلَ، يوجل، وجلًا: خاف، ومنه: لَا تَوْجَلْ [الحجر:53]، وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الحج:35]، وَجِلُونَ [الحجر:52]".

الوجل هنا فسّره بالخوف، وهكذا أيضًا فسّره الراغب بأنَّه: استشعار الخوف[7]، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، قَالُوا لَا تَوْجَلْ، قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] يعني: في حالٍ من الخوف.

والواقع أنَّ الخوفَ مراتب -كما هو معروف-، فالوجل مرتبة من مراتب الخوف، فهو أخصّ من مُطلق الخوف، فالخوف الذي لا يكون معه طُمأنينة يُقال له: وجل، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ يعني: يخشى ألَّا يُتقبل منه، فهو خوفٌ مع عدم طُمأنينة.

والملائكة حينما جاءوا إبراهيم في صورة رجال لم يطمئن إلى بعض تصرّفاتهم: قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ؛ ما أكلوا من طعامه، فلم يطمئن إليهم، فهو خوفٌ مع عدم طُمأنينة. هكذا ذكر العسكري في كتابه "الفروق اللغوية"[8].

ومن أهل العلم مَن لا يرى وجود الترادف في اللغة أصلًا، وهذا مذهبٌ لبعض أهل اللغة، وعلى هذا مشى العسكري في كتابه "الفروق اللغوية"، وهذا لا بدَّ من معرفته؛ لأنَّ ذلك يحمل صاحبه على البحث عن وجوهٍ من الفروقات ربما يعسُر إظهارها والتَّعبير عنها أيضًا، وقد لا تخلو من تكلفٍ شديدٍ، وفي البعض يظهر وجه الفرق، فبعض ما يذكره العسكري في هذا الباب لا يخلو من تكلفات، ولكنه في كثيرٍ مما ذكر لا شكَّ أنه يُستفاد منه، والله أعلم.

وبعض أهل العلم يرى وجود الترادف، ومن ثَمَّ لا إشكالَ عنده في أن يقول: الوجل هو الخوف؛ لأنَّ هذه الألفاظ مُترادفة.

والمذهب الأول أدقّ، لكنَّه إن أفضى إلى شيءٍ من التَّكلف فينبغي أن يُترك؛ فإنَّ التَّكلف منهيٌّ عنه، كما جاء عن عمر : "نُهينا عن التَّكلف"[9]، والله قال عن نبيِّه ﷺ: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86]، فالتَّكلف مذمومٌ.

"أوجس: وجد في نفسه، وأضمر".

هذه المادة أرجعها ابنُ فارس إلى معنى الإحساس بالشيء، والتَّسمع له[10]، إحساس وتسمّع، يُقال: أوجس الشيء، بمعنى: أحسّه وشعر به، أو أضمره: أوجس فزعًا، أوجس خوفًا، أوجس خيفةً، من الوَجْس، وهو الصّوت الخفي، وكثُر استعماله في التَّعبير عن مشاعر الخوف، يقول: أنا مُتوجس من كذا، فلان يتوجس من كذا، بمعنى: يخاف، هكذا كثُر في الاستعمال، لكنه فيه معنى: الإحساس والشُّعور بالشيء؛ ولذلك الناس يستعملون هذه اللَّفظة في شيءٍ يتّصل بمعنى: الإحساس، يقول: أوجس ألـمًا، وأوجس كذا، بمعنى: أنَّه يشعر بذلك، ويُحسّ به.

فكأنَّ هذه الأمور الوجدانية من الخوف، ونحو ذلك، حينما يجدها الإنسانُ في نفسه يُقال له: أوجس كذا، بمعنى: أنَّه يشعر بكذا، يشعر بالخوف، والله أعلم.

فما يجده الإنسان من الخوف يُعبّر عنه بمثل هذا: فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [هود:70]، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى [طه:67]، فهذه أمور وجدانية، يعني: يجدها الإنسانُ في نفسه.

"وارى، يُواري، أي: ستر، ومنه: يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ [المائدة:31]، ومَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا [الأعراف:20]. وتوارى أي: استتر واستخفى".

هذه المادة عند ابن فارس -رحمه الله- لا ترجع إلى قياسٍ واحدٍ، وإنما هي كلمات مُتفرقة[11].

يُقال: واراه، مُواراة، يعني: ستره وأخفاه، والذي يعنينا منها هنا في القرآن مما ورد في كتاب الله -تبارك وتعالى- هو ما يتعلق بالسّتر، إضافةً إلى معنى آخر كما سيأتي.

ويُقال: واراه، بمعنى: ستره وأخفاه، وتوارى بمعنى: استتر، حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32]، قيل: الخيل. وقيل: الشمس، بمعنى: غابت.

يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ يعني: يسترها بالدّفن؛ لأنَّ بقاء الميت مطروحًا هكذا في العراء أمرٌ تنقبض منه النفوس، ويسوء النَّاظر إليه؛ ولذلك يُستر الميت عادةً ويُغطَّى؛ لأنَّ النفوس تكره النَّظر إلى ذلك، ويرون أنَّ ذلك أدعى لحفظ حُرمة الميت، حينما يُغطّى، لا يُترك هكذا مُلقًى كما تُلقى البهيمة، فعلّمه هذا الغراب.

وهكذا إبليس حينما أغوى الأبوين بالأكل من الشَّجرة، قال الله أيضًا: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا، مَا وُورِيَ يعني: ما سُتر وغُطّي من السّوءات، فهذا معنى.

ومن الاستعمالات الأخرى كما ذكر ابنُ فارس -رحمه الله-: أنها تأتي كلمات مُتفرقة من هذه الكلمات (للواو والراء والحرف المعتل)، يُقال: أورى النار، بمعنى: أوقدها واستخرجها[12]، أوقدها بقدح الزِّناد، وهذا لا علاقةَ له بالمعنى الأول: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ [الواقعة:71] يعني: يستخرجون النار بالطَّريقة المعروفة عندهم قبل هذه الوسائل الحديثة.

يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ [النحل:59] هذا يرجع إلى أيّ المعنيين؟

المعنى الأول: السّتر.

وفي قوله -تبارك وتعالى-: فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا [العاديات:2] من أيّ الاستعمالات؟

إيقاد النار، فالخيل حينما تضرب بحوافرها الحجارة ينقدح الشَّرر ويتطاير، فهي مُوريات: فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا.

ومن الاستعمالات التي تكون أيضًا في أصل هذه المادة التي هي (الواو والراء والحرف المعتل): الورى، فالورى يُقال: هي من الأضداد؛ يُقال للخلف والأمام: وراء، نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ [البقرة:101] هنا بمعنى: الخلف، وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا [هود:92] يعني: خلفكم، فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ [النساء:102] فهذا بمعنى: الخلف، وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ [البقرة:91] هذا يحتمل، وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ [الكهف:79] هنا بمعنى: أمام، أي: أمامهم ملك، وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا [الإنسان:27] هذا بمعنى: الأمام، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي [مريم:5]، وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ [المؤمنون:100]، مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ [إبراهيم:16].

فهو يأتي بمعنى: الأمام، وبمعنى: الخلف، لكنَّ الغالب في الاستعمال أن يكون بمعنى: الخلف.

"وطء، يطأ: له ثلاثة معانٍ: جماع المرأة، ومن الوطء بالأقدام، ومنه: وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27]، والإهلاك، ومنه: لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ [الفتح:25]".

هذه المادة ذكر ابنُ فارس -رحمه الله- أنَّها تدلّ على تمهيد شيءٍ وتسهيله[13]، تقول: وطئت له المكان، يعني: هيّأته وسهّلته ومهّدته، والوطاء أيضًا ما توطأت به من فراشٍ، تقول أيضًا: وطأته، وتقول: وطأته برجلي، أطأه أيضًا، والمواطأة بمعنى: الموافقة.

فهنا ذكر ابنُ جُزي -رحمه الله- المعاني الثلاثة: الجماع، والوطء بالأقدام، والإهلاك.

ولاحظ: حينما يُقال: وطأه، يعني: داسه بقدمه، وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا الوطء هنا بالقدم، ويُقال: وطأ أرضَ العدو، بمعنى: دخلها، وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ [التوبة:120] حمله بعضُهم على هذا المعنى.

ويُقال: وطء العدو، بمعنى: أوقع به، وغلب عليه: وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ، فهذا الذي عبّر عنه ابنُ جُزي: بالإهلاك، وطء القوم بمعنى: أهلكهم، يأتي بمعنى: الإهلاك، والغلبة، ونحو ذلك، لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ بمعنى: أن يقع عليهم القتل، ونحو ذلك.

والموطأ يأتي مصدرًا بمعنى: الوطء، ويأتي اسم مكانٍ للوطء: وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يعني: لا يطئون وطأً، أو لا يطئون موضعًا في سيرهم، أو في أرض العدو، كما فسّره بعضُهم كما سبق.

قال: واطأه، بمعنى: وافقه وطابقه، لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ [التوبة:37] في الإنساء للأشهر الحُرم، يعني مثلًا: ينقلون الـمُحرم إلى صفر؛ من أجل الغزو والإغارة، ونحو ذلك، فهذا هو النَّسيء.

ويُقال: هو شديد الوطء في أمره، يعني: ثابت القدم فيه، كمَن يشدّ وطأته في الأرض.

ويُلاحظ في هذا المعنى الكُلْفة والمشقّة، ويُقال: هذا العمل أشدّ وطأً، يعني: أكثر كُلفةً، أو أدعى للثَّبات وزوال الاضطراب والتَّردد: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا [المزمل:6] ثقيلة، لكن أثرها أقوى وأدعى إلى الثَّبات، وتحمّل الوحي، وأعباء الرِّسالة والدَّعوة، وأذى الكفَّار؛ أشدّ ثبات قدمٍ، وأبعد عن الاضطراب، أو أشدّ كُلفةً ومشقّةً.

فالآن الوطء، قال: جماع المرأة، وهذا الوطء أقرب إلى أيّ هذه المعاني؟

بمعنى: غلب عليها.

"وَقَرَ -بفتح الواو- هو الصّمم والثِّقل في الأذن. والوِقر -بكسر الواو-: الحِمْل، ومنه: فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا [الذاريات:2]".

هذه المادة عند ابن فارس تدلّ على ثِقَلٍ في الشَّيء[14]، أرجعها إلى الثِّقَل، فالوقر: الثِّقَل في الأذن، والوِقر: الحِمْل، ويُقال: نخلة مُوقرة، وموقر، يعني: ذات حملٍ كثيرٍ، ومنه الوقار: الحلم والرَّزانة، يعني: هذا الإنسان الوقور ثقيل، وليس بخفيفٍ.

يقول الله : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، نقل ابنُ فارس -رحمه الله- عن أبي عُبيد القاسم بن سلام: أنَّه من الوقار[15]. هذا باعتبار القراءة الأخرى: وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وهما قراءتان مُتواترتان، وقرن من القرار، قرّ الماء في الحوض يعني: ثبت، بِتْنَ في البيوت؛ لأنَّ ذلك أدعى للحفظ والحشمة، وأبعد عن الفتنة.

وبعضهم فسّره بالمعنى الأول، يعني: القرار. وبعضهم قال: إنَّه من الوقار، قِرن، تقول: قِر هذا الأمر، وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ من الوقار.

والواقع أنَّ بين المعنيين مُلازمةً، فالقرار هو سبيل الوقار، أمَّا إذا كانت المرأةُ خرَّاجةً ولَّاجةً فإنَّ ذلك يكون أدعى إلى ذهاب وقارها؛ ولذلك تجد المرأة التي اعتادت الخروج الكثير أكثر جرأةً، فإذا كانت تُخالط الرجال فإنَّ ذلك يكون أدعى لذهاب وقارها.

وانظر إلى المرأة التي لا تخرج من بيتها، هي في خِدْرها، ولا ترى الرجال، ولا يرونها، فتجد أنَّها في حالٍ من الوقار الوافر الذي لا يُقاربه ولا يُدانيه حال تلك المرأة الخرَّاجة الولَّاجة التي تُكلّم هذا وذاك، ويدخل عليها الصَّغير والكبير، وتُخاطب الرجال ويُخاطبونها مباشرةً، وغير مُباشرة، فهي إن كانت تُطبب مثلًا تُخالط الأطباء، والإدارة، وتُخالط الممرضين، وتُخالط المرضى، وتُخالط المرافقين للمرضى؛ فذلك يكون سببًا لذهاب الوقار كما لا يخفى.

فهما معنيان مُتلازمان، فالمرأة التي تُريد الوقار الطريق إليه هو القرار، ولا يُقال: إنَّ بقاء المرأة في بيتها يكون سببًا لعللٍ وأوصابٍ كما يزعمون الآن: نقص فيتامين دال، فهذا لا حقيقةَ له؛ لأنَّ الله لا يمكن أن يأمرها بالقرار في البيت، وإذا خرجت أن تلبس هذا الحجاب، فلا تراها الشمس، ويقولون: جلد مُخبّأة، بمعنى: أنَّ الشمس لم ترها، لا يمكن أنَّ الشَّارع الذي خلقها، وخلق الشمس، وخلق فيتامين دال، هذا الذي أشاعوه وأذاعوه في هذه السُّنيات القليلة، يرزق الله به أقوامًا من أصحاب هذه العيادات والعقاقير، ونحو ذلك، فتهافت الناسُ على مثل هذا، وجعلوا كلّ الناس يُعانون من نقصه، هذا الكلام غير صحيحٍ، فالذي أمرها بالقرار هو الذي خلقها، وهو الذي خلق ما ينفعها، وما يُصلحها، ولا يمكن أن يأمرها بشيءٍ يحصل به الضَّرر، إطلاقًا، فالله عليمٌ حكيمٌ، هو الذي شرع هذا التَّشريع، وهو الذي خلق الشمس والقمر والنجوم، وخلق الإنسان، وخلق الأرض، وخلق الفيتامينات، وخلق الصحّة والمرض، نحن نعلم هذا ونتيقّنه تمامًا.

ونقول للمرأة: اطمئني، لا تراكِ الشمس، وابقي في بيتك، وليس عليك إلا العافية من الله -تبارك وتعالى-، وإنما الخروج هو الذي يكون سبيلًا إلى الأضرار والأوصاب والآفات، تخرج مُخالطةً للرجال، مُزاحمةً لهم، بزعم أنَّها تُمارس الرياضة، فتجول وتصول، وتذهب وتجيء، وهذا مُشاهد كما ترون، والمرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطانُ، ولو كانت مُتحجبةً؛ ولذلك انظر إلى السَّائرين في الطَّريق، لا يكاد يجتز أحدٌ إلا التفت، ولو كانت في غاية الحشمة والسّتر، طالما أنَّها امرأة تمشي أمامه.

واستشرفها الشيطان، قيل: أغرى بها، فهو يُزينها للرجال؛ ولهذا جاء عن فاطمة -رضي الله عنها-: "خيرٌ لهنَّ أن لا يرين الرجال، ولا يرونهنَّ"[16].

ولذلك استدلّ بعضُ أهل العلم على وجوب صلاة العيد بأنَّ النبي ﷺ كان يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور، وهذه ما الذي يُخرجها إلا أمر عظيم، وواجبٌ من الواجبات؛ لأنَّ هذه لا تخرج أصلًا.

وإلى عهدٍ قريبٍ في هذه البلاد في بعض البيئات كانت المرأة لا تُشترى لها عباءة إلا إذا تزوجت، وكانوا يرون أنَّه من العيب أن توجد عند المرأة أو الفتاة عباءة، وإذا أرادت أن تزور القرابة فإنَّها تأخذ عباءة أمّها، أو ربما زوجة أخيها، أو نحو ذلك، وتخرج بعد غروب الشَّمس؛ ليكون ذلك أستر، ويمشي معها محرمُها حتى يُوصلها إلى ذلك المكان، ثم يعود بها، ترجع في ليلتها، أو ترجع بعد طلوع الفجر مثلًا، أو نحو هذا؛ لئلا يراها الناس.

هذا شيء شاهدناه نحن ورأيناه، وكانت المرأةُ إذا كانت في طريقٍ، وكانت البيوت في السابق من الطّين، وهذا الطّين يُعجن -كما هو معلوم- بشيءٍ -أعزكم الله ومَن يسمع- من أعواد التّبن، فكانت هذه الجُدران تُخالطها وتُلابسها هذه الأعواد كما هو معروف، فتجد المرأة إذا مرَّ الرجلُ التصقت بالجدار من شدّة الحياء، وكانت جوانب العباءة تجدها عند هؤلاء النِّساء قد تخرّقت؛ للصوقهنَّ بالجدار.

أمَّا الآن فكثيرٌ من النساء تمشي في وسط الطّريق، وقد قال بعضُ السلف في الخرَّاجة الولَّاجة، أو في التَّبرج: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] هي التي تمشي في وسط الطريق، يراها الرجال، تمشي في الوسط، وتحتاج أنت أن تأخذ جانب الطريق، وإذا كنت في المصعد وحدك جاءت ودخلت رافعةً رأسها، فإذا أنكرت ذلك أو نحو ذلك ربما استطالت في الكلام، ولم تستحِ، وإذا كانت في حالٍ من التَّبذل وقلتَ لها: استتري، قالت: غُضّ بصرك! هكذا حيث يرحل الحياءُ بكثرة الخروج.

فهذه المادة ترجع إلى معنى: الثِّقل، ويُقال: وقِرت الأذن، توقر، وقرًا، إذا أصابها الثِّقل في السّمع، أو صُمَّت فلم تسمع: وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [الأنعام:25] يعني: الصّمم، لا يسمعون ما ينفعهم، وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ [فصلت:5] يعني: الصّمم.

يُقال: وقر، يقر، وقارًا، يعني: إذا صار حليمًا رزينًا؛ لأنَّ خلاف الحلم والرّزانة والوقار هو الخفّة في حركاته ومشيته وتصرّفاته؛ ولهذا قالوا في قوله -تبارك وتعالى-: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63] يعني: بوقارٍ، وليس بتماوتٍ. ليس هذا هو المقصود، قالوا: إنَّ المشية غالبًا تدلّ على صاحبها، تدلّ على عقله، ونحو ذلك، فالمجنون يُعرف من مشيته، والأحمق والأخرق ونحو ذلك ممن به خفّة في عقله يُعرف ذلك في مشيته.

وكذلك أيضًا يُقال: الوقار، للعظمة؛ لما كان من شأن الحليم الرَّزين العظمة، وبهذا فُسّر قوله -تبارك وتعالى-: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13] قيل: العظمة، والمعنى: لا تخافون لله عظمةً، وهو يرجع إلى المعنى الأصلي الذي ذكره ابنُ فارس -رحمه الله-.

ويُقال: وقّره، بمعنى: عظّمه وبجّله، وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ [الفتح:9] يعني: التَّعظيم.

والوِقر –بالكسر- يُقال للحِمْل الذي يكون على الظَّهر أو الرأس، ويخصّ بعضهم به الحِمْل الثَّقيل، وليس كل حِمْلٍ وِقْرًا، وأكثر ما يكون ذلك على البغل والحمار، وقد يُقال لحِمل البعير أيضًا ولغيره: فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا [الذاريات:2]، السُّحب هذه ثقيلة جدًّا، وفي ضمنها الماء.

"ودق: هو المطر".

هذه المادة عند ابن فارس -رحمه الله- تدلّ على إتيانٍ وأنسةٍ، يُقال: ودقت به ودقًا: إذا أنست به، والـمُودق: هو المأتى والمكان الذي تقف فيه آنسًا، والودق: المطر[17]؛ لأنَّه يدق، يعني: يأتي من السَّماء، بهذا الاعتبار، الودق تدلّ على الإتيان، يأتي من السَّماء. فهذا ما ذكره ابنُ فارس -رحمه الله-.

فالمطر كلّه يُقال له: ودق، سواء كان المطرُ شديدًا أم هيّنًا، ودق المطر يدق، بمعنى: قطر، ودقت السَّحابة: أمطرت، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يعني: المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ [النور:43] يعني: ثقوب السَّحاب، اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ [الروم:48].

"واصب، أي: دائم".

"الواصب" يقول ابنُ فارس: هذه الكلمة أيضًا تدلّ على دوام شيءٍ، يُقال: وصب الدّين؛ وجب[18]، وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ [الصافات:9] يعني: دائم.

والوصب: المرض الـمُلازم، الدَّائم، وليس كل مرضٍ، فقيّده هنا بهذا القيد: المرض الـمُلازم: وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا [النحل:52]، دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ يعني: دائم.

"وكيل: كفيل بالأمر، وقيل: كافٍ".

هذه المادة أرجعها ابنُ فارس -رحمه الله- إلى معنى يدلّ على اعتماد غيرك في أمرك[19]، فالتوكل: إظهار العجز في الأمر، والاعتماد على غيرك.

وسُمّي الوكيل لأنَّه يوكل إليه الأمر، يُقال: وكل أمره إلى غيره، بمعنى: اعتمد عليه فيه، ووثق به أن يُنجزه له.

ويُقال: وكل أمره إلى الله؛ إذا فوّضه إليه، واكتفى به فيه: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [النساء:81]، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [التوبة:129]، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا [الأعراف:89]، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159].

والوكيل من هذا، فهو الذي يُوكَل إليه الأمر، ويُسلم له، فهو فعيل، بمعنى: مفعول، أو موكول إليه.

ولما كان الذي يُوكل إليه الأمر شأنه حفظ ما وكِل إليه القيام عليه؛ أتى الوكيل في معنى: الحفيظ، فقيل: هو وكيل على فلان؛ يرعاه، ويُعنى به: قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [الأنعام:66] أي: لستُ عليكم بحفيظٍ، ولستُ مسؤولًا عن حسابكم، أو عن أمركم.

ويُقال: وكله بكذا، يعني: عهد إليه أن يقوم به، ويُحافظ عليه: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة:11] يعني: عُهد إليه أن يقبض الأرواح.

ويُقال أيضًا: وكله الله بالطَّاعة، يعني: وفّقه وطوعه لذلك: فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89].

وقد يُراد بالوكيل في المعاني المباشرة: الوكيل على الأمر بمعنى: الرقيب، المطّلع عليه؛ لأنَّ شأن الوكيل أن يُراقب ما وكل إليه، يُقال: الله وكيلٌ على ما تقول، وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص:28] يعني: مُطلع، مُراقب، شاهد على ذلك، والناس يستعملون هذا إلى اليوم، يقولون: الله وكيلك، يعني: شاهدًا عليك، ويُراقبك، ويُحاسبك، ونحو ذلك.

ولما كان الوكيلُ أيضًا يركن إليه مَن يكل أمره إليه، والوكيل أيضًا بمعنى: النَّاصر، فقيل: هو وكيلٌ لفلان، يعني: ناصر ومُعين: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] فُسّر بمعنى: النَّاصر بهذا الاعتبار، وإلا فـحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ يعني: الذي تُفوض الأمور إليه.

والعلماء -رحمهم الله- حينما يُفسّرون التوكل على الله -تبارك وتعالى- يذكرون كلامًا كثيرًا، ومعانٍ كثيرة، وهذه المعاني لو تأمّلتها تجد أنَّ بعضها يرجع إلى سببه، فبعضهم يُفسّر التوكل بسببه، كالثِّقة، وتجد هذا في ثنايا كلام أهل اللغة كما أشرتُ آنفًا.

فالواقع أنَّ الثقة هي سببٌ للتوكل؛ لأنَّه لا يوجد التوكل إلا إذا وجدت الثِّقة، فأنت لا يمكن أن توكل إلا مَن تثق به، ولا تتوكل إلا على مَن تثق بكفايته، ولا تتوكل على ضعيفٍ وعاجزٍ، فهذا تفسيرٌ له بسببه.

وبعضهم يُفسّره بأثره، وهذا كثيرٌ في عباراتهم.

والواقع أنَّ التوكل على الله -تبارك وتعالى- يدلّ على مجموعٍ مُركّبٍ من الثِّقة التي يحصل معها الركون والاعتماد على الله -تبارك وتعالى-، وتفويض الأمر إليه، وما إلى ذلك من المعاني التي يذكرونها، والتي يلتئم منها معنى التوكل، كما يذكر الحافظُ ابن القيم -رحمه الله-.

وقد تكلمتُ طويلًا على التوكل في مجالس، ربما تبلغ سبعة مجالس أو أكثر في الكلام على الأعمال القلبية، وذكرتُ هذه المعاني وفصّلتها؛ فمنها ما يرجع إلى السَّبب، ومنها ما يرجع إلى الأثر، ومنها ما يكون من قبيل التفسير له بجزء معناه، ولكنه يلتئم من قضايا عدّة: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:81]، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل:9] يعني: تُفوض أمرك إليه، وتعتمد عليه، وتركن إليه، وما أشبه ذلك، والله أعلم.

"وِزْر: بكسر الواو، وإسكان الزاي، له معنيان: الذنب، ومنه: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. والحِمل الثَّقيل -وهو الأصل-، ومنه: أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ [طه:87] أي: أحمالًا.

ووزر بفتحتين، أي: ملجأ.

ووزير أي: مُعين، وأصله من الوِزر، بمعنى: الثِّقل؛ لأنَّ الوزير يحمل عن الملك أثقالَه".

وفي الطبعة الأخرى -طبعة البيان-: "كأنَّ الوزير"، لكن هذا الأصل: "لأن الوزير"، ويصحّ أيضًا: "كأنَّ الوزير يحمل عن الملك أثقاله"، لكن "لأنَّ" أوضح.

وهذه المادة أرجعها ابنُ فارس -رحمه الله- إلى أصلين:

الأول: الوزر يعني: الملجأ، كَلَّا لَا وَزَرَ [القيامة:11] لا ملجأ.

والثاني: الثِّقل في الشَّيء[20]، فالوِزر: حمل الرجل، إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع وحمله.

بسط ثوبه يعني: يضعه، ماذا يُسميه العامّة عندنا؟ وضعه أين؟ شليلة، أوما عندكم هذا؟

إذا بسط ثوبه فوضع فيه المتاع وحمله في حِجره، لكن هذا التَّعبير غير دقيقٍ بالنسبة للثوب، هذا لو أنَّه وضعه في حجره، أجلسه كالصبي مثلًا، أو وضع شيئًا في حِجره، لكن الكلام في الثوب، حينما يضع ذلك في ثوبه، ثم يحمله بثوبه، فهنا يُقال: الوِزر، وهو حمل الرجل إذا بسط ثوبه وجعل فيه المتاع وحمله؛ ولذلك سُمّي الذّنب: وزرًا يحمله، وهكذا يُقال للسلاح الثَّقيل، سواء كان مما يلبسه، أو يحمله: وزر، والجمع: أوزار.

والوزير، يقول ابنُ فارس: سُمّي به لأنَّه يحمل الثِّقل عن صاحبه[21]، يعني: عمَّن يزر له.

هذان المعنيان ذكرهما ابنُ فارس -رحمه الله-.

وهنا ابن جُزي ذكر الذَّنب؛ لأنَّه هو المعنى المباشر، وإلا فأصله الثِّقل، فذكر هنا الذَّنب: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وذكر الحِمْل الثَّقيل.

والواقع أنَّ هذا يرجع إلى شيءٍ واحدٍ، ولم يذكر الملجأ إلا في مادة مُستقلة، مع أنَّ ذلك يرجع إلى هذا الأصل، يُقال: الوزر، يعني: الملجأ، والوزير يعني: المعين، وأصله يرجع إلى الثِّقل، يُقال: وزر الشّيء، يزره، وزرًا، يعني: حمله، وهذا يأتي في الأحمال الثَّقيلة.

وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ الحُلي، يُقال: إنَّ النساء الإسرائيليات كُنَّ يستعرن ذلك من الفرعونيّات، فلمَّا خرجوا مع موسى بقيت هذه معهم، فجمعوها، لا يدرون ما يصنعون بها.

ويُقال ذلك أيضًا في ارتكاب الذّنوب، فهذا يُقال في الأمور الحسيّة، والأمور المعنويّة، فالذنوب هي من الأمور المعنوية، فهي أثقال على صاحبها.

والوصف يُقال: فلان وازر، والنفس وازرة، فلانة وازرة، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ يعني: نفس وازرة، تحمل وزرًا وثِقلًا، وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ [الأنعام:31] هذه الأثقال من الذنوب.

فالوزر: الحمل الثَّقيل، ومن هذا قيل: أوزار الحرب، حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محمد:4] الأسلحة، حيث إنها أحمال ثقيلة، ويُعبّر به عن انقطاع الحرب، يُقال: وضع السّلاح، أو وضعتم السلاح، فهذا يُعبّر به عن توقف الحرب وانقضائها.

والإثم لما كان يُعنت صاحبه قيل له: وزر، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وكما يُقال: الوزر للإثم، يُقال لجزاء الإثم، فهو من إطلاق الشّيء على ما ينشأ عنه ويترتب عليه: فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا [طه:100]، لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ [النحل:25].

والوزر أيضًا يُقال للهمِّ يغشى الإنسان، ويكون ثِقلًا عليه: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ [الشرح:2] فُسّر بمعانٍ؛ قيل: أعباء النبوة، وهمّ هداية الناس، هذا ثقيل، فوضعه الله عن نبيِّه ﷺ، وخفف عنه.

وقيل غير ذلك، يعني: بعضُهم أرجعه إلى معنى الإثم، وأنَّ الله حطّ عنه الأوزار، وهذا هو المتبادر، حيث غفر له ما تقدّم ما ذنبه، وما تأخّر. وبعضهم فسّره بغير هذا.

ويُقال: وزر للسلطان وغيره، يزر، وِزارة، ووَزَارة، بمعنى: أعانه، وحمل عنه من أعباء عمله: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي [طه:29]، وزيرًا: هذا في معنى الوزارة؛ لأنَّ هذه الأعباء ثقيلة، فهذا الوزير يحمل هذه الأعباء الثَّقيلة عن السُّلطان.

والوزر -كما سبق- هو الملجأ، يعتصم به مَن يخشى شيئًا.

وبعضهم يقول: إنَّ أصله الجبل المنيع الذي يُتحصّن به، فصار ذلك يُقال من باب التّوسع على الملجأ عمومًا.

نتوقف عند هذا.

  1. "مقاييس اللغة" (6/142).
  2. "مقاييس اللغة" (6/150).
  3. "مقاييس اللغة" (6/105).
  4. "مقاييس اللغة" (6/106).
  5. هو في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (1/118) من قول عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ولفظه: "ما يزع الإمامُ أكثر مما يزع القرآن".
  6. "مقاييس اللغة" (6/143).
  7. "المفردات في غريب القرآن" (ص855).
  8. "الفروق اللغوية" للعسكري (ص243).
  9. أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يُكره من كثرة السؤال وتكلّف ما لا يعنيه، برقم (7293).
  10. "مقاييس اللغة" (6/87).
  11. "مقاييس اللغة" (1/12).
  12. "مقاييس اللغة" (1/12).
  13. "مقاييس اللغة" (6/120).
  14. "مقاييس اللغة" (6/132).
  15. "مقاييس اللغة" (6/133).
  16. "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (2/40).
  17. "مقاييس اللغة" (6/96).
  18. "مقاييس اللغة" (6/117).
  19. "مقاييس اللغة" (6/136).
  20. "مقاييس اللغة" (6/108).
  21. "مقاييس اللغة" (6/108).

مواد ذات صلة