الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
[2] من قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} الآية:16 إلى قوله تعالى: {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} الآية:29‏
تاريخ النشر: ٠٩ / جمادى الأولى / ١٤٣٤
التحميل: 9596
مرات الإستماع: 124708

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ۝ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ۝ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ۝ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ۝ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ۝ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ۝ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [سورة ق:16-22]

يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه وعلْمه محيط بجميع أموره حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر، وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل[1].

وقوله وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، ومن تأوله على العلم فإنما فرّ لئلا يَلزم حُلول أو اتحاد وهما منفيان بالإجماع، تعالى الله وتقدس، ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبل الوريد وإنما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ كما قال في المحتضر وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [سورة الواقعة:85]، يعني ملائكته، وكما قال -تبارك وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر:9] فالملائكة نزلت بالذكر وهو القرآن بإذن الله وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله -جل وعلا- لهم على ذلك، فللملك لمّة من الإنسان كما أن للشيطان لمّة، وكذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق.

قوله -تبارك وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فالله-تبارك وتعالى- يذكر خلقه للإنسان وأنه قادر عليه محيط به الإحاطة التامة لا يخفى عليه من شأنه شيء ولهذا قال:وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وأصل الوسوسة في كلام العرب: هي الصوت الخفي، ولهذا يقولون: وسواس الحُليّ مثلاً، يعني الصوت الذي يُصدره الحُليّ إذا تحركت المرأة، وتجدون هذا في كلام العرب شعراً ونثراً، المقصود أن مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ يعني ما يُحدث به نفسَه.

فهذه الأشياء التي تجري في داخل النفس لا يطلع عليها أحد من الناس، الله -تبارك وتعالى- يعلمها ويطلع عليها، ولا يخفى عليه منها خافية، قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ هنا قال: يعني ملائكته قبل هذا، والمراد بحبل الوريد كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله: حبل الوريد هو الذي بين الحلقوم والودجين، يعني كل إنسان له عرقان معروفان على جانبي العنق، يقال لهما: الودجان، فحبل الوريد بين الحلقوم والودجين، يعني أن الإنسان له حبلان عن اليمين وعن الشمال.

وبعضهم يقول: هو الحبل الممتد ما بين الحلق أو الحلقوم إلى العاتق من كل جهة واحد، وبعضهم يقول كالحسن البصري: إن حبل الوريد: هو الوتين، وهو العرق المعلق بالقلب أو الواصل إلى القلب، العرق المعروف.

وبعضهم يقول: لكل إنسان حبلان وهما الودجان، يعني يقول: هما نفس الودجين عن يمين وعن شمال، فقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ حبل الوريد، هذه الإضافة يقولون: هي إضافة بيانية، يعني الحبل الذي هو الوريد، فالآن هذا الحبل يقول ابن جرير -رحمه الله: هو نفس الوريد، كقولهم: مسجد الجامع، وقد مضى الكلام على نظائر هذا، يعني أن الوريد تبيّن، والحبل هو نفس الوريد، حبل الوريد، مسجد الجامع.

وقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، والمراد بالقرب حمله الحافظ بن كثير -رحمه الله- هنا على قرب الملائكة، وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة القرب لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته، والقرب له أدله كثيرة، ولكن يختلفون في تفسير بعض المواضع، هل هي مما يرجع إلى هذه الصفة ويتصل بها أو لا. 

وفرق بين من ينفي القرب بالكلية ويؤول النصوص، وبين من يثبت القرب ببعض الأدلة ويقول: هي دالة على صفة القرب، ولكن الدليل الفلاني ليس في قرب الله، وإنما في قرب كذا، قرب الملائكة مثلاً باعتبار السياق أو القرائن، فهذا لا إشكال فيه، وغاية ما يقال فيه عند المخالف يعني من فسره مثلا بأنه قرب الله يقول: هذا من باب الخطأ في التفسير فقط، وهذا له نظائر، كقوله -تبارك وتعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ [سورة القلم:42]، هل الساق هنا المقصود به الصفة لله ، أو المقصود الكرب؟ من أهل السنة من فسره بالكرب، هل هذا من التأويل؟

لا يلزم، هم يثبتون صفة الساق، والحديث واضح وصريح ولا يقبل التأويل: "فيكشف عن ساقه"[2]، فهذا دليل على إثبات صفة الساق، لكن الآية هنا تحتمل، فبعضهم قال: إن ذلك يقصد به ما في الحديث من الصفة، وبعضهم قال: الكرب، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [سورة البقرة:115]، هل المقصود به الصفة أو الجهة والناحية؟ وشيخ الإسلام -رحمه الله- يثبت صفة الوجه بأدلة كثيرة، لكن يقول: هذه الآية ليست من آيات الصفات، وهذا الموضع أيضاً كذلك: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: المقصود بهذا الموضع قرب الملائكة، ملك الموت أقرب إليه من حبل الوريد للنصوص الواردة في مجيء ملك الموت فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ۝ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ۝ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [سورة الواقعة:83-85]، قال: المراد قرب الملائكة وقرب ملك الموت.

وهذا الذي مشى عليه الحافظ بن كثيرَ -رحمه الله- هنا يقول: يعني ملائكته تعالى أقرب إلي الإنسان من حبل وريده إليه، ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد وهما منفيان بالإجماع هناك من فسره بالعلم، قال: ليس المقصود قرب الملائكة، وإنما قرب الله تعالى، والله عالٍ من خلقه مستوٍ على عرشه قالوا: المقصود به قرب العلم، قريب بعلمه.

وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرد على هؤلاء، بقوله: هؤلاء توهموا أن القرب مثل المعية، فالمعية عامة وخاصة، فمعيته العامة مع خلقه بالعلم والإحاطة، مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [سورة المجادلة:7]، وهذه الآية مسبوقة بالعلم، أَلَمْ تَرَ أن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ومختومة بالعلم، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى: هذا قرينة ودليل على أن المقصود به كونه مع المتناجين بعلمه، وكذلك المعية الخاصة بالنصر والتأييد، يعني: ليس بذاته فهو مستوٍ على عرشه فوق خلقه، فشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إن القرب ليس كالمعية، المعية تكون عامة وخاصة مع جميع الخلق بالعلم والإحاطة، أما القرب فإنه في جميع المواضع في القرآن قرب خاص، يعني لا يوجد قرب عام.

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [سورة البقرة:186]، وقول النبيﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد[3]، فهذا قرب خاص من الداعين، أو من الساجدين، ولكن القرب العام: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ [سورة الواقعة:85] هذا القرب من المحتضرين هذا قرب عام من كل محتضر، يقول شيخ الإسلام: "لا يوجد قرب عام في القرآن، إنما ذلك في المعية"، فيقول: هؤلاء الذين فسروه بالعلم ظنوا أنه مثل المعية، فقالوا: بعلمه، يقول: هذا لا وجود له في القرآن، وإنما القرب قرب خاص، ولهذا لما كان هذا القرب من الجميع كل محتضر المؤمن والكافر، فلا يوجد قرب خاص من أهل الكفر، إذا هو قرب عام، يقول: هذا القرب العام لا وجود له في القرآن إنما هو قرب خاص، ولا يكون من الكافرين.

إذاً إذا كان قريباً من كل محتضر فهذا قرب الملائكة، وابن كثير هنا يذكر أدله على هذا يقول: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ يعني المحتضر، وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ، يعني ملائكته كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر:9]، ماذا يقصد بهذه هنا؟ هذه ليس لها علاقة بالقرب؟ يقصد إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، من الذي نزل به على النبي ﷺ جبريل نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۝ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ [سورة الشعراء:193، 194]، قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وقد نزله بواسطة الملك، كذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إلى آخر ما ذكر، ولذلك قال: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ يعني -كما سيأتي- وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ حال تلقي المتلقيين.

وشيخ الإسلام له كلام طويل مفصل في كتبه، ومن ذلك: شرح حديث النزول، فأهل السنة يثبتون القرب لله تعالى، ويبقى الكلام في بعض المواضع هل هذا من قرب الله أو من قرب الملائكة؟ فهذا لا إشكال فيه إذا أثبت العبد ذلك، والنصوص في قرب الله -تبارك تعالى- متنوعة يعني: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [سورة البقرة:186]، هذا قرب من الداعين، وهكذا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، هنا قرب العبد من ربه، وشيخ الإسلام عندما يتكلم على مثل هذا الحديث يقول: يقرّب قلبه إليه، أقرب ما يكون العبد، ما قال: الرب من العبد، العبد من ربه، والعبد في الأرض والله فوق العرش، يقول: فيقرب قلبه إليه وإذا قرب قلبه إليه صار الله قريباً منه.

كما تقول مثلا إذا مشيت إلى مكة واقتربت منها تقول: قربت منا مكة، مكة قريب منا، يقول: قرب العبد من الرب يعني باللزوم أن الرب يكون قريباً منه، وإن كان الذي اقترب هو العبد أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لكن في قوله: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ [سورة هود:61] فهذا قرب خاص من الداعين وهو أحد أدلة هذه الصفة لله -تبارك وتعالى.

وكذلك: من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً[4]، وكذلك في قوله ﷺ: ولكن تدعون سميعاً قريباً[5]، هذا القرب من الداعين، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته[6]

وكذلك قربه من أهل الموقف يوم عرفة: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة[7]، فهذا يدل على القرب، فأهل السنة يثبتون هذا، لكن عبارة شيخ الإسلام التي أردت أن أوردها: يقول: "ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة"[8]، يقصد: أن النص يحتمل، يعني: غاية ما هنالك أن يقال خطأ في التفسير عند المخالف.

يقول: "ويُنظَر في النص الوارد فإن دل على هذا حُمل عليه، وإن دل على هذا حمل عليه"[9]، كما سبق في بعض النصوص أنها في قرب الله تعالى، يقول: "وهذا كما تقدم في لفظ الإتيان والمجيء"[10]، ولتلميذه الإمام ابن القيم -رحمه الله- كلام مفيد في هذا الموضع حيث قال -رحمه الله: "والقول الثاني أنه قربه من العبد بملائكته الذين يصلون إلى قلبه فيكون أقرب إليه من ذلك العرق، اختاره شيخنا، وسمعته يقول: هذا مثل قوله:نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [سورة يوسف:3]، وقوله: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [سورة القيامة:18]"[11].

يقصد كل هذا عن طريق الملك، بواسطة الملك.

وقال -رحمه الله: "فإن جبريل هو الذي قصه عليه بأمر الله، فنسب تعليمه إليه إذ هو بأمره، وكذلك جبريل هو الذي قرأه عليه كما في صحيح البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية: فإذا قرأه رسولنا فانصت لقراءته حتى يقضيها، قلت: أول الآية يأبى ذلك فإنه قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ"[12].

هذا ليس الملك الذي يعلم والذي خلق والذي يعلم ما توسوس به نفسه ثم قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.

وقال -رحمه الله: "وكذلك خلقه للإنسان إنما هو بالأسباب وتخليق الملائكة، قلت: وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة بن أُسيد في تخلق النطفة: فيقول الملك الذي يخلقه: يارب ذكر أم أنثى أسوي أم غير سوي؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك فهو سبحانه الخالق وحده، ولا ينافي ذلك استعمال الملائكة بإذنه ومشيئته وقدرته في التخليق، فإن أفعالهم وتخليقهم خلْقٌ له سبحانه فما ثَمّ خالق على الحقيقة غيره"[13].

الشنقيطي -رحمه الله- يرى أن القرب هو قرب الله من العبد في هذا الموضع.

شيخ الإسلام يقول: القرب كله خاص بخلاف المعية منها عام ومنها خاص، فيقول: القرب لا يوجد منه خاص وعام فكله خاص، فلما جاء عند هذا الموضع هذا قرب عام باعتبار جميع الخلق، كل محتضر بهذا الاعتبار، وبناءً عليه شيخ الإسلام يقول: هذا ليس قرب الله ، يقول المواضع التي يثبت فيها قرب الله من العبد هو قرب خاص، قرب من الداعين، قرب من السائلين، قرب من أهل عرفة.

فهذا الذي قال فيه شيخ الإسلام بأنه جائز، يعني أنه يحتمل في بعض المواضع كهذا، والخلاصة أن صفة القرب ثابتة، لكن الخلاف بين أهل السنة في هذه النصوص هل تدل على قرب الله من خلقة أو لا؟ والأمر يسير.

وكذلك الشيطان يجري من بن آدم مجرى الدم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ولهذا قال تعالى هاهنا: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ يعني الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان.

التلقي: هو الأخذ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ والمعنى -كما سبق: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ۝ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ تكون إذ هنا متعلقة بـ "أقرب"، أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ يعني حين يتلقى الملكان نحن أقرب إليه في هذه الحال، حال التلقي، يعني الله يعلم ما توسوس به نفسه، وعلى هذا التفسير أنه قُرب الله، والله أقرب إليه من حبل وريده الذي هو أقرب الأشياء إليه حال كون الملكين يتلقيان ما يصدر عنه من الأقوال والأفعال، فالله جعل ذلك عليه -يعني من الملائكة- قطعاً للحجة، وإعذاراً وإلا فالله يعلم حاله، ولكن من باب التثبيت على العبد أنه جعل عليه من الحافظين شهوداً يشهدون عليه وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [سورة الانفطار:10] يحفظون عمله، كِرَامًا كَاتِبِينَ ۝ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [سورة الانفطار:11، 12].

هذا بالإضافة إلى الأمر الثالث وهو نطق الجوارح وشهادة الجوارح، ثم الأمر الرابع وهو إقرار اللسان واعترافه بعد شهادة الجوارح، فكل ذلك من باب التوثيق وقطع الحجة والعذر على العبد، إذاً على هذا يكون: إِذْ يتعلق بالقرب إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ أقرب حين، وإذ مثل هذه ترد كثيراً، فأهل العلم -أحياناً- يربطونها بشيء قبلها، وبعضهم يجعل ذلك مستأنفاً، واذكر إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ -مثلاً، يعني بفعل مقدر محذوف. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة آل عمران:124] أي: واذكر إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ.

قال: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ أي: مترصد.

القعيد يقال للرَّصَد الذي يرصده، يرصد ما يصدر عنه، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ وهنا أفرده مع أنهما اثنان فقال: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ باعتبار أنه عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، بعضهم يقول: حذف الأول لدلالة الثاني عليه عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كما مشى على هذا سيبويه.

وبعضهم لا يوافق على هذا يقول: إن "قعيد" يصلح للواحد فأكثر عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ وإنه لا حاجة للتقدير، وإن الأصل عدم التقدير كما يقوله الأخفش، أن كلمة قَعِيدٌ تفي لذلك كله عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ يعني كأنه قال: قعيدان، والقعيد هو المُقاعِد كالجليس بمعنى المُجالِس والأكيل بمعنى المؤاكل، وهذا هو الذي عليه المحققون، ليس قعيد بمعنى: قاعد وإنما مُقاعد رقيب يحفظ أعماله وأقواله، يعني يتتبع أمور الإنسان عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ۝ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ يرقبه، وعتيد: أي حاضر مهيأ لا يغيب ولا يذهب لحاجة أو ينشغل بأكل أو شرب أو ينام أو يحصل له نعاس أو غفلة أو يتلهى بمكالمة أحد، هو يرقبه في كل لحظة لا يغيب عنه شيء من هذه التصرفات.

فالمخلوق قد يرقب مخلوقاً، ولكنه ينشغل عنه، انشغل عنه بمكالمة غيره، ينشغل عنه بنوم، بنعاس، بل لربما ينظر إليه وعقله في مكان آخر يفكر فيه، ولكن هذا الملَك رقيب عتيد فهو حاضر لا يغيب بحال من الأحوال كل ما يصدر عن العبد فهو يرصده ويكتبه، ومعدٌّ لكتابته متخصص في هذا ليس عنده شغل آخر يشغله عنه.

رَقِيبٌ عَتِيدٌ وهما اثنان أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات، ولو أن الإنسان وُكل به من البشر اثنان يرقبانه ويرصدانه لضاقت به أنحاء المعمورة، وضاقت به الأرض بما رحبت، إذا كان الناس يتضايقون إذا نظر أحد إليهم بالسيارة وهم وقوف عند إشارة أو غير ذلك لا يحتملون هذا، فكيف بمن يرقبه آناء الليل وأطراف النهار؟

المخلوق الذي يرقبه إذا دخل الإنسان في بيته هو لا يعرف ما الذي يجري، إذا كان وراء الجدار لا يعرف ما الذي يجري، لربما يكون هذا الإنسان يتحدث مع آخر وذاك ينظر إليه ولا يدري ما الذي يدور بينهم، لكن هذا الملك لا، وعلى قول شيخ الإسلام وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أنها الملائكة أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، بينما المخلوق الذي يرصده ويرقبه يكون بعيداً عنه لا يعلم ماذا يقول؛ لأنه لا يصل إليه صوته، فكيف يعلم بخطرات النفس؟!

فهذا من أعظم البواعث على مراقبة الله-تبارك وتعالى- في الخلوة والجلوة، في السر والعلانية، ومن أيقن هذا خاف الله -تبارك وتعالى- وارعوى وكف عن كل ما لا يليق وصار عليه رقيب من نفسه؛ لأنه يعلم أنه لا يحصل له خلوة إطلاقاً، فالخلوة على هذا الاعتبار متعذرة، هي خلوه عن الناس، ولكن الله يراه والملكان معه يكتبان ويرصدان، ويرقبان وينظران، لو جُعل على هذا الإنسان في بيته، وفي كل مكان حتى في مكان الخلاء وفي غيره -أكرمكم الله- كاميرات وما ينقل الأصوات لصار الإنسان يحسب الأنفاس وحركة العين، فكيف بنظر الله -تبارك وتعالى- إلى العبد؟

ونحن بحاجة إلى هذا المعنى كثيرا في مثل هذه الأوقات التي صار الوصول فيها إلى مطالب النفس الدنية أقرب إلى العبد من اليد للفم، لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ [سورة هود:43] إذا ما وجدت هذه المراقبة لله -تبارك وتعالى- وإلا فإن العبد قد يسرح في أودية الهلكة، ويقارف مساخط الله -تبارك وتعالى، ثم يكون حاله كحال ذاك الذي قال عنه النبي ﷺ: يأتي بأعمال كجبال تهامة البيضاء من الحسنات ثم بعد ذلك يجعلها الله هباءً منثورا يُذهبها، هؤلاء إذا خلو بمحارم الله انتهكوها[14].

مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ أي: ابن آدم مِن قَوْلٍ أي: ما يتكلم بكلمة، إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أي: إلا ولها من يرقبها مُعد لذلك يكتبها لا يترك كلمة ولا حركة كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ۝ كِرَامًا كَاتِبِينَ ۝ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [سورة الانفطار:10-12]، فيكتب الملك كل شيء من الكلام، وهو قول الحسن وقتادة، هو ظاهر الآية وقد روى الإمام أحمد عن بلال بن الحارث المزني قال: قال رسول الله ﷺ: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه[15]، فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح وله شاهد في الصحيح.

كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث كم من كلام، كم من فعل، كم من كتابة، فالقلم أحد اللسانين، فالذين يخبطون خبط عشواء ويكتبون ما يحلو لهم في المنتديات والمواقع ووسائل التواصل وما إلى ذلك، ولابد أن يعلِّق على كل شيء، ولابد أن يبدي رأيه في كل شيء، ولابد أن يشمت في كل شيء، ولابد أن يهرف بما لا يعرف، هؤلاء لو عرفوا حقيقة ذلك لكفّهم حديث بلال بن الحارث عن كثير من هذا لكن للأسف الغفلة غالبة وكأن الإنسان قد رفع عنه القلم فيما يكتب وما يقول.

وهذا القول الذي قال به الحسن وقتادة في قوله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ قال به جماعة آخرون منهم: ابن عباس -رضي الله عنهما، وظاهر الآية يدل عليه لأنه قال: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ، فقول: نكرة في سياق الشرط، وقد سبقت بمن والنكرة في سياق الشرط أو النهي أو الاستفهام تكون للعموم، فإذا سبقت بمن نقلتها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ، أيّ قول: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.

وقال هؤلاء: إن الملك يكتب كل شيء: أكلت وشربت ومشيت وذهبت ورجعت وقمت وقعدت كل هذا يُكتب، لكنهم يتفقون في النهاية على أن الذي يترتب عليه الجزاء هو ما يتصل بالتكليف يعني مما يقوله الإنسان من طاعة الله -تبارك وتعالى- أو من معصيته، أما الأشياء العادية ذهبت وجئت ونحو ذلك مما لا يترتب عليها جزاء فبعضهم يقول: إن هذا لا يُكتب وإنما المقصود مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ يعني: من قولٍ يترتب عليه جزاء، قالوا: هو بهذا الاعتبار وبهذا التقدير، وأن هذا على طريقة العرب فهو مخصوص بهذا المعنى.

والآخرون أخذوا بظاهر اللفظ فقالوا: يكتب كل شيء ثم يُمحى ما لا يترتب عليه الجزاء، وعلى أيٍّ من المعنيين مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، المقصود ما يترتب عليه الجزاء أن الإنسان يحاسب نفسه فلا يتكلم حتى يزن الكلمة، وليس المقصود أن هذه الكلمة يكون فيها مخالفة أو لا يكون فيها مخالفة، ليس ذلك فحسب، بل هناك معنى آخر فوق هذا، هل له فيها نية أو ليس له فيها نية؟ 

يعني قد يكتب كلاماً جميلاً من الحكمة أو من كلام المعصوم ﷺ أو من كلام السلف أو من كلام بعض أهل العلم، قال الحافظ ابن القيم، قال فلان وهو لا يقصد بذلك ولا يريد بهذا وجه الله -تبارك وتعالى، فيكون بذلك مرائياً أو مسمعاً أو له قصد فاسد فيحاسب على هذا ويقع في الشرك الأصغر.

وكثير من الناس لا يتفطن لهذا فقد يورد ألواناً من الفوائد وهو يريد أن يعزز نفسه، أن يُذكر وأن يُعرف وأن يشتهر وأن يحمد، فيكتب ثم يفتح ماذا قال الناس عنه؟ فيكتب مقالة أو ينزل خطبة أو من هذا القبيل ثم ينظر ماذا قالوا عنه هل أُعجبوا به أو لم يعجبوا به؟ فهذا قصد فاسد يكون على صاحبه من الوزر بقدر جنايته، فهذه أمور يحتاج الإنسان أن يتبصر بها ولو أنه تبصر بها لقل كلامه وقلت كتابته؛ لأن ذلك جميعاً ينقش في صحيفته.

وإذا نظرت إلى حالنا في كثير من هذه الملابسات كأننا غير مكلفين وكأن هذه الآيات لم تنزل، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ غفلة عارمة -نسأل الله العافية، وكما سبق هذا لا يختص بالأقوال بل يكون في كل شأن، في الأفعال، وفي أعمال القلوب، ما الذي يتوجه إليه القلب من المقاصد الفاسدة والنيات وما إلى ذلك، كل هذا يكتبه الملك.

وقوله -تبارك وتعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [سورة ق:19]، يقول : وجاءت أيها الإنسان سكرة الموت بالحق أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أي هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك فلا محيد ولا مناص ولا فكاك ولا خلاص.

قوله -تبارك وتعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ سكرة الموت: المقصود بها شدته وغلبته على الإدراك وعقل الإنسان بحيث يصير في حال تشبه الذهول والسكر كأن العقل يسلب لشدة الموت ولشدة النزع كما قال النبي ﷺ: إن للموت لسكرات[16]، فهذه الشدة تذهب بعقل الإنسان، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ فإن هذه السكرة تارةً تكون للنزع، وتارةً تكون للفرح الشديد، وتارةً تكون هذه السكرة للهول الشديد، وتارةً كما هي أهوال القيامة وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [سورة الحج:2].

الإنسان في مواقف الشدة قد يصيبه مثل هذا يكون في حال كأنه في حلم قد لا يشعر بالناس حوله ويكلمونه ولا يفقه عنهم، ويحصل هذا في أوقات الشدة أحياناً -نسأل الله العافية للجميع- الحوادث أو نحو ذلك، تجد الرجل يقوم بحالٍ بعضهم يقوم يؤذن، وبعضهم يقوم ويقع، وبعضهم لربما قطعت رجله أو نحو ذلك وهو لا يشعر بها، والناس يكلمونه، ولربما كلمه بعضهم بكلام وإذا قيل له بعد ذلك يقول: لم أكن أشعر بشيء من ذلك إطلاقاً وهو في حال لم يكن في إغماء -مثلاً- لكنه في حال من الذهول كالسكر.

وهناك نوع آخر من السكر وهو سكر الرئاسة كما يسميه الحافظ ابن القيم -رحمه الله- هذا الذي يحصل له رئاسة إن لم يوفق ويهدى قلبه ويسدد لسانه فإنه يكون في حال من السكر لا يقبل فيها نصح الناصحين ولا يرعوى ولا يتذكر ولا يتبصر بعيوبه وأخطائه وتقصيره، وإنما يرى دائما أنه في حال من الكمال، ولسان حاله: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [سورة غافر:29].

والحافظ ابن القيم -رحمه الله- تكلم عن مثل هذا، وأن الرجل قد يكون له صاحب وإذا صارت له رئاسة فإنه قد يتغير عليه، فيعجب من حاله ما الذي غيره؟ لكن لو شرب المسكر وتغير عليه لم يستنكر -لم يستغرب- لأنه سكران، فيقول: سكر الرئاسة أعظم من سكر الخمر، ولذلك أحياناً الإنسان قد يتعجب كيف لا يبصر هذا مثل هذه المفاسد؟ كيف لا يبصر هذه الحقائق؟ كيف لا يتقي الله في كذا؟ لماذا لا يراقب ربه في كذا؟ لكنه لا يفكر بنفس الطريقة التي تفكر فيها، هو في سكرة، إلا من رحم الله -تبارك وتعالى.

قال: ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ يعني ما كنت منه تفر، فلا محيد ولا مناص عنه وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ بعضهم يقول: الحق هو الموت، السكرة هذه جاءته بالموت، وبعضهم يقول: فيها تقديم وتأخير: جاءت سكرة الحق بالموت، والأصل عدم التقديم والتأخير قد مضى هذا مراراً أن الأصل في الكلام الترتيب، وأنه مهما أمكن حمله على معنى صحيح على النسق الذي جاء به القرآن من غير دعوى تقديم وتأخير فهذا هو الأصل.

وهنا يمكن أن يحمل على هذا المعنى وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ سكرة الموت هي التي جاءت بالحق الذي هو الموت، ولكن القول بالتقديم والتأخير هنا: جاءت سكرة الحق بالموت هذه جاءت فيها قراءة شاذة قرأ بها أبو بكر وابن مسعود -رضي الله عنهم- فإذا صح سندها فإن القراءة الشاذة تفسر القراءة المتواترة كما هو معلوم.

الموت يقال له: حق، ويقال: فلان جاءه الحق من ربه، كما في حديث عثمان بن مظعون، الموت يقال له: حق، الموت حق، جاء فلاناً الحقُّ.

قال: وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: سبحان الله! إن للموت لسكرات، وفي قوله: ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ قولان:

أحدهما: أن ما هاهنا موصولة أي الذي كنت منه تحيد بمعنى تبتعد وتتناءى وتفر قد حل بك وقد نزل بساحتك.

والقول الثاني: أن ما نافية بمعنى: ذلك ما كنت تقدر على الفرار منه ولا الحيد عنه.

على المعنى الأول: أنها موصولة، وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك الذي كنت منه تفر، هذا الذي كنت تفر منه طول عمرك وتتوقاه وتخافه وتحاذره، هاهو يقابلك ويلاقيك وينزل بك.

وعلى المعنى الثاني: أن ما نافية وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ يعني ما منه مفر، ما من منه مخلص ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ يعني ما منه بد، ما منه مفر، ما منه مخرج، إذا نزل فذلك الذي أعيا الأطباء، ولو اجتمعوا من أقطارها لا يغنون عنه شيئاً، والمعنى الأول هو المتبادر وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ يعني هذا الذي كنت تحاذره وتريد الفرار منه وتتوقاه دائماً، هاهو قد حل بك ونزل وجاءت به سكرة الموت، فنزل بك ما كنت تخشى وتتقي لا يدفعه عنك أحد.

قوله -تبارك وتعالى: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ۝ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ۝ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ ۝ فَلَوْلا إن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ۝ تَرْجِعُونَهَا إن كُنتُمْ صَادِقِينَ [سورة الواقعة:83-87]، وهكذا إذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ۝ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [سورة القيامة:26، 27] هاتوا الطبيب، ادعوا الطبيب وظن وعلم أنه الفراق، تيقن وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ۝ إلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ [سورة القيامة:29، 30].

وقد روى الطبراني في المعجم الكبير عن سمرة قال: قال رسول الله ﷺ: مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب تطلبه الأرض بديْن، فجاء يسعى حتى إذا أُعيي وأُسهر دخل جحره وقالت له الأرض: يا ثعلب ديْني، فخرج وله حُصَاص، فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات[17]، ومضمون هذا المثل: كما لا انفكاك له ولا محيد عن الأرض، كذلك الإنسان لا محيد له عن الموت.

وقوله -تبارك وتعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ قد تقدم الكلام على حديث النفخ في الصور والفزع والصعق والبعث، وذلك يوم القيامة.

هنا قوله -تبارك وتعالى- وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ يوم القيامة فيه وعد ووعيد -كما هو معلوم، وعيد للكافرين ووعد للمؤمنين، والوعيد يقال في العذاب والوعد يكون في الثواب، فيوم القيامة فيه هذا وهذا، فهنا ذكر الوعيد دون الوعد ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ للتهويل وبيان شدة ذلك اليوم، والترهيب والتخويف منه.

وفي الحديث أن رسول الله ﷺ قال: كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له، قالوا: يارسول الله كيف نقول؟ قال رسول الله ﷺ: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فقال القوم: حسبنا الله ونعم الوكيل[18].

وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ أي: ملك يسوقه إلى المحشر وملك يشهد عليه بأعماله، هذا هو الظاهر من الآية الكريمة، وهو اختيار ابن جرير ثم روى عن يحيى بن رافع -مولى لثقيف- قال: سمعت عثمان بن عفان يخطب فقرأ هذه الآية: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌفقال: سائق يسوقها إلى الله تعالى وشاهد يشهد عليها بما عملت.

هكذا ذكر الحافظ ابن كثير-رحمه الله- وهو اختيار ابن جرير ولعله الأقرب -والله تعالى أعلم، أن معنى سائق وشهيد: سائق يسوقها من الملائكة، وشهيد يشهد عليها من الملائكة، فكل هؤلاء من الملائكة، وبعضهم يقول: إن السائق من الملائكة -كما يقول الضحاك- ولكن الشهيد من أنفسهم، يعني الأيدي والأرجل الجوارح التي تشهد عليهم وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ سائق يسوقها، وشهيد يشهد عليها من جوارحهم كما أخبر الله -تبارك وتعالى.

وبعضهم يقول: إن السائق هو القرين من الشياطين، لا على أنه يسوقها، وإنما لكونه يتبعها فكأنه سائق لها وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ، فهذا الذي يتبعها وهو القرين بمنزلة السائق وإن لم يكن يسوقها، لكن هذا خلاف الظاهر -والله تعالى أعلم- فظاهر القرآن يدل على أنه يسوقها، تساق كما يؤخذ المجرم أو الجاني، كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ.

وبعضهم يقول: إن السائق هو الملك والشهيد هو العمل، والأولون قالوا: هي الجوارح تشهد عليه، وهنا العمل، وبعضهم يقول: إن السائق هو كاتب السيئات والشهيد هو كاتب الحسنات -والله تعالى أعلم، لكن الظاهر -والله تعالى أعلم- أن السائق والشهيد ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد عليه، والعلم عند الله .

وقوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [سورة ق:22] الخطاب مع الإنسان من حيث هو، والمراد بقوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يعني من هذا اليوم فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي: قوي لأن كل أحد يوم القيامة يكون مستبصراً حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك، قال الله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا [سورة مريم:38]، وقال: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [سورة السجدة:12].

قوله -تبارك وتعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ لاحظ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ۝ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يعني يقال له: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا، فالقرآن أبلغ الكلام فيطوي ما يمكن أن يفهمه السامع، اختصاراً للكلام، وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ فيقال له: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا، وظاهر هذه الآية أنها عامة لجميع الناس؛ لأن ظاهر الآيات العموم وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ المؤمن والكافر، والبر والفاجر لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ

فالحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا حمله على العموم، قال: الإنسان من حيث هو، وهذا قول أكثر أهل العلم قال به جمهور المفسرين، وهو اختيار ابن جرير- -رحمه الله- -بناءً على الظاهر، وبعضهم يقول: إن ذلك مخصوص بالكافر؛ لأنه هو الذي كان في غفلة من هذا لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، وهذا قال به الضحاك -رحمه الله، لكن بناء على قول الجمهور -وهو اختيار ابن جرير وابن كثير- هو للعموم، كيف يكون هذا بالنسبة للمؤمن لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ؟

قالوا: باعتبار أنه تنكشف له الحقائق الغيبية التي ما كان يراها، وإنما كان يؤمن بها فهذه كالحُجب، يعني: حجاب الغيب، فإذا رفع عنه هذا الحجاب عند ذلك يبصر فيرى الملائكة، ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ويرى كثيراً من الحقائق التي كان يسمع عنها ويؤمن بها، ولكن ليس الخبر كالمعاينة.

والقول الآخر أنه في الكافر له وجه باعتبار ذكر الغفلة، وكذلك ما بعده، وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ۝ أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [سورة ق:23، 24] فهذا في الكافر، والله تعالى أعلم.

وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ۝ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ۝ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ۝ ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ۝ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ۝ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [سورة ق:23-29] يقول تعالى مخبراً عن الملك الموكل بعمل ابن آدم أنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أي: معتد محضر بلا زيادة ولا نقصان.

هنا الحافظ بن كثير -رحمه الله- فسر وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ يقول: إن الملك الموكل بعمله يشهد عليه يوم القيامة ويقول: هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ، أي معتد محضر بلا زيادة ولا نقصان، بعض أهل العلم يقول: إن الملك يخاطب العبد، يقول له: تفضل هذا عملك هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ هذا الرصيد، هذا الذي كنت أكتبه وأسجله، هذا الديوان، هذا العمل حاضر من غير زيادة ولا نقصان، كما قال الله -تبارك وتعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [سورة الكهف:49].

فكما قال بعض السلف: ضجوا من الصغائر قبل الكبائر، فأول ما ذكروا الصغائر مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، ولذلك الإنسان لا يتساهل بالصغائر ويقول: الله غفور رحيم، انظر إلى هؤلاء ذكروا الصغائر قبل الكبائر، فبعضهم يقول: إن هذا خطاب من الملك هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ، يخاطب به العبد، يقول: هذا عملك جاهز، حاضر، من غير زيادة ولا نقصان، وهذا قال به جماعة كالحسن والضحاك وقتادة، وجاء عن مجاهد: أن الملك يقول للرب: هذه الأمانة يا رب هذا الذي وكلتني به هذا عمله، سجلته عليه من غير زيادة ولا نقصان، هذا الذي وكلتني به، هذا ما صدر عنه، وجاء في رواية عن مجاهد: أن ذلك القائل هو قرينه من الشياطين، يقول: هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ يخاطب الإنسان، يقول: هذا الذي هيأته لك بإغوائي وإضلالي وتزييني للمعصية والمنكر والباطل، هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ هذا الذي أغويتك به، تفضل واجه المصير وحدك ودافع عن نفسك، هذا وإن جاء في رواية عن مجاهد إلا أنه لا يخلو من بُعد -والله تعالى أعلم.

وهكذا ما جاء عن ابن زيد: أن القائل هو القرين من الإنس –الصاحب- يقول ذلك يتبرأ منه بتلك الحال، ويقول: هذا الذي قدتك إليه واجه مصيرك وعملك. 

والأقرب -والله تعالى أعلم- أن ذلك من قول الملك هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ هل يخاطب به العبد يقول: هذه أعمالك التي سجلتها لك أو يخاطب به الرب؟ فهذا يحتمل، فيحكم الله عندها أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

فعند ذلك يحكم الله تعالى في الخليقة بالعدل فيقول: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ الظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد، فالسائق أحضره إلى عَرصة الحساب، فلما أدى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم، وبئس المصير.

على هذا يكون الخطاب لاثنين وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ هذا السائق يسوقها من الملائكة، وهذا الشهيد من الملائكة يشهد عليها، فهذا الشهيد من الملائكة هو الذي يقول: هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ، فيقول الله لهما: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ باعتبار أن الخطاب لاثنين: السائق والشهيد، هذا الذي مشى عليه ابن كثير ووجهه ظاهر، فهو أمر للملكين، وسبقه إلى هذا القول الزجاج، وبعضهم يقول: هو خطاب لاثنين لكن ليس للسائق والشهيد وإنما لاثنين من خزنة النار، أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ولكن هذا خلاف الظاهر -والله تعالى أعلم.

وبعضهم يقول: إن الخطاب هنا لواحد، إذا كان الخطاب لواحد كيف خرج مخرج الاثنين، كيف عبر بصيغة التثنية؟ فيكون هنا محل سؤال أو إشكال، فبعضهم يقول: هذا معروف في لغة العرب وهو صحيح لا إشكال فيه، فيقولون: جرى هذا المجرى تنزيلاً لتثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ وتكريره مثل: ألقِ ألقِ، تقول: قف قف، فيتوسع بالتعبير حينها فيثنى الفاعل لتكرير الفعل، يعني الفعل مكرر ألقِ ألقِ، أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ وهذا الذي مشى عليه جماعة من أهل اللغة وأصحاب المعاني والخليل بن أحمد، والأخفش يقول: إن العرب تخاطب الواحد بخطاب التثنية، يقول مثلاً في الناقة: أرحلاها وازجراها وهو واحد، خذاه وأطلقاه، وبأي اعتبار؟

يقولون: إن العادة جرت أن الرجل يكون معه في الأسفار أعوان، يكون معه الذين يرحلون الناقة أو نحو ذلك فيكون في العادة معه رفقة، أدنى الأعوان أن يكون معه اثنان في إبله وغنمه، كما يقوله الفراء، فتجد كلامهم عن الواحد بعبارة موجهة في ظاهر اللفظ لاثنين جرياً على عادتهم وطريقتهم في المخاطبة، فيقول الرجل: قوما عني، انصرفا عني وعنده واحد، وهذا جاء في قصيدة لامرئ القيس: خليلىَّ وهو يخاطب واحداً:

خليليّ مُرا بي على أمِّ جُندَب نقضّ لُبانات الفؤادِ المعذَّبِ

وكذلك القصيدة المشهورة له التي مطلعها:

قفا نبكِ مِن ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقطِ اللِّوى بين الدخولِ فحَوملِِ

 وأيضاً:

فإنْ تزجراني يا ابن عفانَ أنزجرْ  

تزجراني، وهو يخاطب واحداً، وكذلك ما ينقل عن الحجاج بن يوسف الثقفي أنه عبر بمثل هذا: يا حرسي خذاه وهو يتكلم لحارس واحد، وهذا يكون على طريقة العرب أو بناء على التكرير-كما سبق- ألقِ، ألقِ فنزل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل، يعني من باب التوكيد، والله تعالى أعلم.

أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [سورة ق:24] أي: كثير الكفر والتكذيب بالحق عنيد معاند للحق، معارض له بالباطل مع علمه بذلك مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ [سورة ق:25] أي: لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة.

مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ، لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة، ظاهره أنه في الحقوق المالية، ابن جرير خصه بالحقوق المالية مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِباعتبار أن الخير هو المال، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [سورة العاديات:8]، فالخير هو المال، إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ [سورة البقرة:180] أي: مالاً، فبهذا الاعتبار مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ يعني للمال من أن يصل لمستحقيه فيحبس الزكاة الواجبة، الصلة، النفقات وسائر وجوه البر والإحسان في المال.

مُعْتَدٍ، أي فيما ينفقه ويصرفه يتجاوز فيه الحد. وقال قتادة: معتدٍ في منطقه وسيره وأمره

مُّرِيبٍ، أي شاك في أمره، مريبٍ لمن نظر في أمره.

يقال: أراب الرجل إذا صار ذا ريب، الريب عرفنا في بعض المناسبات أنه شك خاص، شك مع قلق، شك مقلق، هذا الذي يقال له: الريب.

المقصود أن هذا في حال من البعد عن الله والإعراض مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرفهو لا يصدر منه خير، لا ينفق ولا يتصدق ولا يؤدي الحقوق لأصحابها، وهو في حال من التعدي والتجاوز مجترئ على حدود -الله -تبارك وتعالى- فإن كان في المال فهو يأخذه من غير حله ويصرفه في غير حله، وهكذا في سائر أموره، مع ما في قلبه من الريب والشك فهو ليس على يقين من أمر الآخرة ولا له إيمان ثابت يردعه، ولهذا الله -تبارك وتعالى- قال في سورة الماعون: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ [سورة الماعون:1]، فجعل التكذيب في الدين سبباً لما بعده فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [سورة الماعون:2]، يدفعه عن حقه، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [سورة الماعون:3]؛ لأنه لا يرجو عائدة في الآخرة، ثم ذكر ما بعده فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [سورة الماعون:4، 5] فكأن هذا من صفة هؤلاء من أهل النفاق أو الذين يغفلون عن الصلاة باعتبار أن "عن" هنا بمعنى: عنها وليس السهو فيها، وإنما هم غافلون عنها الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ۝ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [سورة الماعون:5-7] منع الماعون: هو يمنع الأشياء التي لا يتضرر ببذلها، والمسكين، ونحو ذلك، فإذا كان يمنع ما لا ضرر عليه من بذله فكيف سيبذل الأموال ويتصدق؟ هذا لا يكون، فهو في غاية الشح.

الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [سورة ق:26] أي: أشرك بالله فعبد معه غيره فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبيﷺ قال: يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وُكلت اليوم بثلاثة، بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلهاً آخر، ومن قتل نفساً بغير نفس، فتنطوي عليهم تقذفهم في غمرات جهنم[19]، َقَالَ قَرِينُهُ قال ابن عباس -رضي الله عنهما- ومجاهد وقتادة وغيرهم: هو الشيطان الذي وكل به.

هذا قول الجمهور واختاره ابن جرير: قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍهذا غير الأول، والجمهور يقولون: إنه الشيطان الذي وكل به يعني القرين، وهو اختيار ابن جرير، وآخرون كمقاتل وسعيد بن جبير يقولون: هو الملك الموكل بالسيئات، بأي اعتبار يقول الملك هذا؟

يقول: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُۥ؛ لأن الكافر حينها لما يرى كتاب الأعمال لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ويقول: هذا الذي وكلت به، هذا عمله حاضر، يقول: ربي أعجلَني، لم يمهلني، لعلي أرجع، لعلي أفيق، لعلي أتوب، فهو يكتب مباشرة بمجرد ما يصدر العمل، لا يمهل لعله يحصل توبة، مجرد ما تصدر المعصية يكتبها، يقول: ربي أعجَلَني، فيقول: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ، ويقول الله تعالى: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ.

فعلى القول الأول أن القرين هنا من الشياطين -ولكل إنسان قرين- فهذا القرين يعتذر فيقول كما قال الله وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ أن اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [سورة إبراهيم:22]، فهذا يقول: أي القرين من الجن يقول: ربنا لست أنا الذي أضللته وأغويته لكن كان متهيئاً للفساد قابلاً له منقاداً طالباً للشر وللمعصية والمنكر والكفر بالله -تبارك وتعالى- فاستجاب لي لمّا دعوته إلى ذلك، أما أهل الإيمان فلم يكن لي عليهم سلطان.

رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ [سورة ق:27] أي: يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه فيقول: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ، أي: ما أضللته، وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ، أي: بل كان هو في نفسه ضالاً قابلاً للباطل معانداً للحق، كما أخبر في الآية الأخرى في قوله: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ أن اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ أن الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة إبراهيم:22].

وقوله -تبارك وتعالى: قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ [سورة ق:28]، يقول الرب للأنسي وقرينه من الجن، وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى فيقول الإنسي: يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، ويقول الشيطان: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ أي عن منهج الحق، فيقول الرب لهما: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أي: عندي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، أي قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، قال مجاهد: يعني قد قضيت ما أنا قاضٍ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِأي: لست أعذب أحداً بذنب أحد ولكن لا أعذب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.

قوله -تبارك وتعالى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّفالقول الذي لا يبدل بعض أهل العلم يقول: المراد بذلك مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [سورة الأنعام:160] الآية، والمشهور أن المراد من ذلك هو قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [سورة السجدة:13] أن الله قضى بملء جهنم، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، وبعضهم يقول: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ بزيادة ولا نقصان، لا يستطيع أحد أن يكذب، كما يقوله جماعة من أصحاب المعاني، بهذا قال الفراء وابن قتيبة مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ لا يستطيع أحد أن يزيف ويروج كذباً بين يدي الله -تبارك وتعالى- لكونه يعلم الغيب والشهادة، وهذا اختاره الواحدي من المفسرين.

وآخرون يقولون: إنه قال: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّما قال: ما يبدل قولي، يردون على الذين قالوا: إن المقصود

مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا أو لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ قالوا: ما قال: ما يبدل قولي، وإنما قال:مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، يعني عندي، لا أحد يستطيع أن يكذب أو يتزيد أو نحو ذلك. والمشهور هو الأول الذي مشى عليه الحافظ ابن كثير -رحمه الله- مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، يعني قضيت ما أنا قاضٍ كما يقول مجاهد -رحمه الله، وهذه من الآيات التي تورِد في هذا المقام مسألة تخلف الوعيد فالمشهور أن الوعيد يتخلف، وأن الوعد لا يتخلف، ويذكرون البيت المعروف:

وإنِّي وإنْ أوعدتُه أو وعدتُه لمخلفُ إيعادي ومنجزُ موعدي

يقول: الكريم ينجز الوعد -يعني بالخير، ويمكن أن يخلف الوعيد يعني لا يوقع العقوبة، وقلنا: إن هذا ليس على إطلاقه في إخلاف الوعيد، وإن الوعيد الحاصل للكافرين لا يتخلف، ومما يدل على هذا مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ على أحد المعنيين، إن عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ۝ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ [سورة الطور:7، 8] فوعيده تعالى بالكافرين حاصل لا محالة، وأما الوعد فلا يتخلف، أما وعيده لأهل الإيمان فيمكن أن يتخلف،

 وهكذا في قوله تعالى: وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ، فنفى هنا صيغة المبالغة وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ فيرد سؤال: وهو أنه إذا نفيت المبالغة فإن هذا لا ينفي أصل وقوع الظلم، ظَلَّام على وزن فَعَّال، يعني كثير الظلم، فنفى عنه كثرة الظلم، لكن هل يكون هذا نفياً للظلم القليل أو لا؟

وقلنا عن هذا أجوبة متعددة، منها:

الأول: أن الآيات دلت على أن الله لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [سورة يونس:44] فـ "شيئاً" نكرة في سياق النفي، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [سورة فصلت:46] هذه صيغة مبالغة، ولاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا بدون صيغة مبالغة، فهذه النصوص الكثيرة في نفي الظلم تشمل قليله وكثيره، فدل على نفي أصل الظلم، هذا جواب باعتبار النصوص الأخرى، أن الله لا يظلم مثقال ذرة، فهذا نفي لأقل الظلم.

الثاني: أن ذلك -يعني صيغة المبالغة- باعتبار كثرة العبيد، يعني فلو وقع لكل واحد مظلمة فهم كثير، فعبر بصيغة المبالغة وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ فلو وقع لكل واحد ولو ظلم يسير فعلى كثرتهم يكون الظلم كثيراً.

الثالث: أن عقاب الله فظيع لا يُقادَر قدره، فلو أن هذا العذاب وقع على غير مستحق لكان من أعظم الظلم.

الرابع: هذه الصيغة -صيغة المبالغة ظلام: تأتي في لغة العرب بمعنى النسبة، يعني بمنزلة الياء، كقوله:

... فاقعدْ فإنكَ أنتَ الطاعِمُ الكاسي

فالياء للنسبة، فهنا ظلام وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍِ يكون المعنى: بذي ظلم للعبيد، فهذا يأتي في لغة العرب، أي استعمال صيغة المبالغة مراداً بها النسبة وليس معنى المبالغة، هذه أربعة أجوبة وهناك غيرها.

  1. رواه النسائي، كتاب الطلاق، باب من طلق في نفسه، برقم (3433)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1730).
  2. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [سورة القيامة:23]، برقم (7439).
  3. رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482).
  4. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب ذكر النبي ﷺ وروايته عن ربه، برقم (7536)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، برقم (2675).
  5. رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة، برقم (6384).
  6. رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2704).
  7. رواه مسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1348).
  8. مجموع الفتاوى (6/ 14).
  9. المرجع السابق.
  10. المرجع السابق.
  11. مدارج السالكين (2/ 290).
  12. المرجع السابق.
  13. المرجع السابق.
  14. رواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الذنوب، برقم (4245)، والطبراني في المعجم الأوسط، برقم (4632)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (505).
  15. رواه الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب في قلة الكلام، برقم (2319)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، برقم (3969)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (888).
  16. رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (78).
  17. رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (6922).
  18. رواه أحمد في المسند، برقم (3008)، وقال محققوه: "حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عطية -وهو ابن سعد بن جُنادة العَوفي"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2079).
  19. رواه أحمد في المسند، برقم (11354)، وقال محققوه: "بعضه صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عطية -وهو ابن سعد العوفي- وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير معاوية بن هشام فمن رجال مسلم، وروى له البخاري في "الأدب المفرد" ، وهو حسن الحديث، شيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي، وفراس: هو ابن يحيى الهمداني الخارفي"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2699)، وفي صحيح الجامع، برقم (8051).

مواد ذات صلة