الثلاثاء 09 / رمضان / 1445 - 19 / مارس 2024
حديث «ليس منا من لم يرحم صغيرنا..» ، «أنزلوا الناس منازلهم»
تاريخ النشر: ٢٠ / جمادى الأولى / ١٤٢٨
التحميل: 2561
مرات الإستماع: 80040

ليس منا من لم يرحم صغيرنا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم أورد:

حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا[1]. حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وفي رواية أبي داود حق كبيرنا[2].

ليس منا أي: ليس على هدينا وطريقتنا من لم يرحم صغيرنا، فالصغار ضعفاء يحتاجون إلى رعاية وعطف وحُنو، وقد جُبلت النفوس على ذلك، حتى البهائم فإن من شأنها أن ترحم صغارها، فإذا كان القلب قاسياً صلداً لا يرحم الصغير فإن ذلك لا يدل على خير، والنبي ﷺ حينما قبّل صبيًّا فسأله أعرابي قال: أتقبِّلون صبيانكم؟، والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال النبي ﷺ: أوَأملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟[3].

فالمسح على رأس الصغير له أثر كبير في نفسه، الكلمة الحانية الطيبة، الشفقة، الحنان، إشعاره بقيمته ونحو ذلك كل هذا يؤثر فيه، وإذا أردت أن تعرف حقيقة ما ذكرت فتذكر أيام الصغر والطفولة والصبا، من الذين تعلق صورهم في ذهنك، وتحبهم ويميل قلبك إليهم؟ هم أولائك الذين ما كانت تخلو جيوبهم من هدية أو حلوى أو نحو ذلك، إذا لقوا الصغير وضعوا شيئاً بيده، أما الذين كانوا يلقونه بوجه مكفهر فإنه ينفر منهم ويبغضهم، ولربما بقيت ذكراهم السيئة معه إلى أن يشيب.

قال: ويعرف شرف كبيرنا، وفي الرواية الأخرى حق كبيرنا، الكبير له حق بالتوقير والاحترام والإجلال والتقديم على غيره من الناس؛ لشيبته في الإسلام، وتقدم سنه، وضعفه وما أشبه ذلك، فإذا كان الإنسان لا يراعي للكبير حقه فإن ذلك يدل على تربية ضعيفة هشة سيئة.

أنزلوا الناس منازلهم

وأورد أيضاً:

حديث ميمون بن أبي شبيب -رحمه الله- أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل، فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة، فأقعدته، فأكل، فقيل لها في ذلك؟ فقالت: قال رسول الله ﷺ: أنزلوا الناس منازلهم[1]. رواه أبو داود

فأعطته كسرة، يعني: قطعة من الخبز، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة، يعني: له صورة حسنة من اللباس تدل على أن هذا الإنسان ليس بإنسان من الضعفاء والفقراء، وإنما له شأن، فأقعدته فأكل، فقيل لها في ذلك، يعني: لماذا هذا أعطيته كسرة وذهب، وهذا فعلت له أكثر من ذلك؟، فسئلت عن ذلك، فقيل لها في ذلك، فقالت: قال رسول الله ﷺ: أنزلوا الناس منازلهم، رواه أبو داود، لكن قال: ميمون لم يدرك عائشة.

وقد ذكره مسلم في أول صحيحه تعليقاً، يعني: من غير ذكر الإسناد، فقال: ذُكر عن عائشة -رضي الله تعالى عنها، يعني: أسقط مسلم في أول الصحيح إسناده، قالت: أمرنا رسول الله ﷺ أن ننزل الناس منازلهم[2].

وذكره الحاكم أبو عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث وقال: هو حديث صحيح، فالحديث فيه انقطاع، ومعناه صحيح، أنّا أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم، وأن نعطي كل ذي حق حقه، فالوالد له حق، والكبير له حق، والأمير له حق، والمقدم في الناس له حق، وشيخ القبيلة له حق، ومدير المدرسة له حق، والمعلم له حق.

أمّا أن يظن الإنسان أن الناس جميعاً يعاملون معاملة واحدة، فيعامل التلميذ كما يعامل الأستاذ كما يعامل مدير المدرسة، كما يعامل مدير التعليم، كما يعامل شيخ القبيلة، كما يعامل والده، فإن هذا غير صحيح إطلاقاً، وليس ذلك من الأدب، ولربما تعمده بعض الناس ظنًّا منه أن هذا من القوة في الحق، فيتعامل مع أستاذه لربما بأسلوب كما يتعامل مع زميله، وهذا خطأ، وهو من سوء الأدب، ولربما دعاه باسمه يا فلان، وهذا ما يليق، ولربما تجرأ ودعا والده بمثل هذا، ولربما دخل على الكبير المطاع كرئيس القبيلة أو أمير الناحية أو البلد أو أمير الجيش أو نحو ذلك وتخاطب معه بأسلوب كأنه يتخاطب مع أصغر الناس، ويظن أن هذه شجاعة وقوة في الحق، وهذا غير صحيح، فينبغي للإنسان أن يكون خطابه مع كل أحد بما يليق وما يصلح له، إذا كلم الصغير فهناك أسلوب مناسب، وإذا تكلم مع الكبير فهناك أسلوب مناسب، وهكذا يتعامل مع الناس كلٌّ بحسبه.

الكلام مع العلماء ليس كالكلام مع العوام، والكلام مع أولي الفضل ليس كالكلام مع غيرهم، مع لزوم وجوب احترام جميع المسلمين، وتقديرهم، والتأدب معهم، وأن يبتعد الإنسان عن الكلام الذي يسيء ويجرح ولا يعود بخير، ويورث الوحشة في النفوس، لكن لابد من الإجلال والتوقير للكبراء، المرأة لابد أن تتحدث مع زوجها بتوقير، لا تقول له: يا فلان، وتدعوه باسمه، مهما كانت نيتها طيبة، وتعلِّم الأولاد هذه التربية، إذا دخل أبوهم يرونها وهي تقوم وتقبّل رأسه وتأخذ ما بيده، وتأخذ بيده وتجلسه، وهكذا، فيتعلمون الأدب من هذه الأم، وكيف يتعاملون مع أبيهم، لكن إذا كانوا لا يرون هذا المشهد في بيتهم أصلاً، ما يرون كيف يُتعامل مع الأب، وهم ينشئون مع الأم ولا يرونها تفعل هذه الآداب فمن أين لهم بالأدب؟!، ولذلك يكبر الواحد منهم ولربما يتعلم أو يتربى فيما بعد على أشياء خارج المنزل من البر ونحو ذلك، فيستحي أن يطبقها مع أبيه؛ لأنه ما اعتاد ذلك، يعني: هذا الولد جاوز العشرين وما اعتاد أن يقبل رأس أبيه أو أمه، لكن المفروض أن ينشأ على هذا منذ نعومة أظفاره، فالمرأة تتعامل مع زوجها بأسلوب مناسب، الرجل يتعامل مع زوجته بأسلوب مناسب، التعامل مع الأم بأسلوب مناسب، يخفض الصوت، ما يرفع صوته عندها وهكذا.

فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم الأخلاق الكريمة، وأن يدلنا على الخير، وأن يأخذ بأيدينا ويلطف بنا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم (4/ 261)، رقم: (4842)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، (4/ 368)، برقم: (1894).
  2. أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه معلقا، (1/ 6).

مواد ذات صلة