الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
حديث «من جهز غازيًا..» ، «لينبعث من كل رجلين أحدهما..»
تاريخ النشر: ١٢ / صفر / ١٤٢٧
التحميل: 1656
مرات الإستماع: 5162

ترجمة زيد بن خالد الجهني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:

في باب التعاون على البر والتقوى ذكر المصنف -رحمه الله- حديث أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني شهد مع النبي ﷺ صلح الحديبية، وروى عنه ﷺ أكثر من ثمانين حديثاً، وقد اتفق الشيخان على خمسة منها، وانفرد الإمام مسلم بثلاثة، واختلف في محل وفاته، فقيل: في المدينة، وقيل: في الكوفة، وقيل: في مصر، وكان ذلك نحو سنة إحدى وثمانين، وعمره يزيد على خمس وثمانين سنة.

من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا
يقول: قال رسول الله ﷺ: من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلَف غازياً في أهله بخير فقد غزا[1]، متفق عليه.

من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا أي: أنه مماثل له في الأجر، مشترك معه فيه، من غير أن ينقص من أجره شيء.

وهذا لا يعارض ما جاء في صحيح مسلم في الحديث الآخر من أنه له نصف أجره[2]، فيحمل ذلك -والله تعالى أعلم- على أن المناصفة تكون باعتبار المجموع، أي: أن له كأجره، فيكون أجره كأجر هذا، فإذا جمعنا بين هذين الأجرين يكون هذا على النصف، بهذا الوجه يمكن أن يجمع بين الحديثين، قال: ومن خلَف غازياً في أهله بخير فقد غزا، أي : إما أن يجهزه فيكون متسبباً في غزوه، أو أن يكون قد خلفه في أهله بخير، كأن يقوم على شئونهم ورعايتهم، وما يحتاجون إليه، فيكون كمن غزا.

ثم ذكر الإمام النووي حديثاً آخر، وهو حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ بعث بعثاً إلى بني لحيان من هذيل فقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما[3].

 والمقصود من ذلك ألا تخرج القبيلة بأسرها، كما قال الله :وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ  [التوبة:122]، فيخرج من كل رجلين رجل من هذه القبيلة، ويبقى البقية يتعاهدون أهل هؤلاء الذين قد خرجوا، ويقومون على حوائجهم وشئونهم، فقال النبي ﷺ: والأجر بينهما؛ لأن أحدهما يغزو، والآخر يكون رافداً له، وإلا لو كان الغزو يؤدي إلى ضياع الأولاد والأهل والأموال لما خرج أحد، فهم بحاجة إلى أن يُخلَفوا في أهلهم بخير، فهذا كله يدل على المعنى الذي من أجله ساق المؤلف هذه الأحاديث وهو التعاون على البر والتقوى

لو كان الغزو يؤدي إلى ضياع الأولاد والأهل والأموال لما خرج أحد، فهم بحاجة إلى أن يُخلَفوا في أهلهم بخير، فهذا كله يدل على المعنى الذي من أجله ساق المؤلف هذه الأحاديث وهو التعاون على البر والتقوى، وأن من أعان غيره على خير وفتح الباب أمامه فإنه يكون له كأجره بإذن الله -تبارك وتعالى- وهذا له صور كثيرة جداً،  فلا يعجز الإنسان أن يكون سبباً إلى طاعة الله ، قد يدل على الخير، كأن يقول: اذهب إلى فلان من الناس فهو يستطيع أن يعطيك ما تحتاج إليه من أجل رعاية الفقراء، والأيتام، والأرامل، فيكون له كأجره، ويستطيع الإنسان أن يكون سببًا في الخير من خلال  وكالته للدعاية والإعلان، فيضع فيها إعلاناً لبرنامج علمي، أو لوقف خيري، أو لأي عمل من أعمال البر والخير، فيكون له كأجرهم، ويمكن أن يتبرع لهؤلاء، فيكون قد دل غيره على الخير، وهذا من أعمال البر والتقوى، وقد يكون الإنسان متسببًا في الخير من خلال عمله، كأن يكون مديراً لمدرسة أو لعيادة أو لمستشفى أو لشركة أو غير ذلك، هناك أناس يريدون الخير، ونفع الآخرين، ودعوتهم إلى الله ، فيمكِّن لهم يفتح المجال أمامهم، ولو لم يعمل هو شيئًا، لكن الخذلان حينما يقف المرء سدًّا في طريق الخير، فمن الناس من يكون مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر[4]، ومن الناس من يكون مغلاقاً للخير، مع أنه لا يخسر شيئًا، نسأل الله العافية، فكلما أراد الناس أن يقوموا بعمل طيب صالح يحبه الله يكثر بسببه المعروف ويقل المنكر وقف أمامهم وسد الباب ووضع العراقيل، فلا يقوم عملٌ، أو يضع الشروط التعجيزية،  وهذا لا يجوز، فالإنسان إن لم يعمل الخير بنفسه فلا أقل من أن يتيح للآخرين أن يعملوا.

 ولا يجوز للإنسان أن يحول بين الخلق وبين طاعة الله -تبارك وتعالى، وأبواب الخير مشرعة وكثيرة جداً، والناس يتفاوتون في هذا، فمنهم من لا يرفع لذلك رأساً، ومنهم من يقف في وجه كل معروف، ومنهم من يفتح المجال لغيره يعملون وهو لا يعمل لكن يُرجَى أن يكون له كأجرهم، ومن الناس من يدل غيره على الخير ويعينهم بما يستطيع من مال ورأي ومشورة، ومن الناس من يقوم به بنفسه، وكما قال النبي ﷺ: ثلاثة يدخلون الجنة في السهم الواحد[5]، ثلاثة، فنسأل الله أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن يغفر لنا ولكم أجمعين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير، (4/ 27)، رقم (2843)، ومسلم، كتاب: الإمارة، باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في أهله بخير (3/ 1506)، رقم ( 1895).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بلفظ: ( أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج)، (3/1506)، رقم: (1896).
  3. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، (3/ 1507)، رقم: (1896).
  4. أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق، باب: فضل معونة المسلمين والسعي في حوائجهم، (1/ 341)، رقم (83)، وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: حديث حسن.
  5. أخرجه الترمذي، باب: ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله (4/ 174)، رقم (1637)، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، (1/ 113)، رقم (1703).

مواد ذات صلة