الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
ترجمة عطاء بن أبي رباح
تاريخ النشر: ٢٨ / ذو القعدة / ١٤٢٥
التحميل: 2883
مرات الإستماع: 7459

ترجمة عطاء بن أبي رباح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس -رضي الله عنهما: ألا أريك امرأةً من أهل الجنة؟، فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبيَّ ﷺ فقالت: إني أصرع وإني أتكشف...[1]، الحديث.

عطاء بن أبي رباح -رحمه الله- من أئمة التابعين، وكان عطاء مملوكاً فأعتق، وكان من أعلم الناس بالمناسك، حتى إنه في بعض الأوقات أُمِر أن لا يفتي أحد في الحج سوى عطاء؛ لعلمه بالمناسك، وله أخبار -رحمه الله- مع بعض الخلفاء، كالوليد بن عبد الملك حينما جاء مع أبنائه وعطاء يصلي أمام الكعبة، وكان يريد أن يسأله عن بعض المسائل، فجعل الخليفة ينتظره مع أبنائه، وهذا رجل كان مملوكاً، وهو أسود أفطس أعرج، فكان جالساً يصلي فانتظروه، فلما فرغ سأله الوليد فلم يلتفت إليه، أجابه وهو لم يلتفت، وكانوا بجانبه، ثم قام إلى صلاته وتركهم، فقال بعض أبناء الوليد بن عبد الملك الذي يحكم المشرق والمغرب: ما حاجتنا إلى هذا العبد؟ فنبههم إلى معنى وهو أن هذا العلم يرتفع به أقوام، ويُذل آخرون.

والعجيب أن عطاء بن أبي رباح -رحمه الله- مع أنه من أعلم الناس بالمناسك إلا أنك إذا نظرت في بعض المنقول عنه في أحكام المناسك لربما لو قال بها قائل اليوم لرماه الناس بالجهل.

ودعنا من عطاء ، لو جاءك إنسان وقال لك: فلان أفتاني بأن المبيت في مزدلفة سنّة، ماذا تقول؟ ماذا ستقولون؟ أنا أظن أن العبارات لا يمكن أن تذكر في المسجد، طبعاً بعض أهل العلم يقول: المبيت بمزدلفة ركن، وبعضهم يقول: واجب، وهذا هو الراجح، لكن أن يقال سنة فلا.

فأقول: نحتاج إلى مراجعة طريقة نظرنا وحكمنا على الأشياء وتفكيرنا، المشكلة أننا نكون سمعنا قولاً واحداً، ثم بعد ذلك ليس عندنا أي استعداد أن نسمع غيره، أبداً.

لو جاءك إنسان وقال لك الآن: صيام يوم عرفة بالنسبة للحاج، ما حكمه؟ قلتَ له: ليس ذلك من السنة، والنبي ﷺ أفطر، وكذلك الخلفاء الأربعة.

فقال لك: سألت فلانا، فقال: من السنة أن تصوم وأنت في عرفة، إلا إن كان في ذلك مشقة، كأيام الصيف، وأما في الشتاء فإن السنة أن يصام، ماذا ستقول؟

عطاء بن أبي رباح يقول: من السنة صيام عرفة بعرفة، إلا إن شق عليه، وفي بعض الروايات عنه قال: إذا كان في الشتاء صام.

هذا الكلام الذي تسمعونه الآن نحن نحتاج إليه في النظر والحكم على الأقوال وما إلى ذلك، ولكنّ هناك أمراً وراءه يدخل فيه الإنسان مع داعية الهوى، هناك من يطرح هذا الطرح ليقول: وسعوا مدارككم ولا تقتصروا على بعض الفتاوى والأقوال التي تستمعون إليها، فهذا إلى هذا القدر جيد، لكن ماذا وراءه؟ يريد أن يصل إلى تمييع الدين، والعبث بالأحكام الشرعية، فهو ينظر إلى هوى الناس، رؤساء أو مرءوسين ماذا يريدون؟ إن كان هواه مع التجار جاءت الفتاوى للتجار، وأهل التجارات في الأسهم والعقار، وغير ذلك من ألوان المعاملات المالية كما يحبون ويحلو لهم، وإن كان الهوى مع الرؤساء والعظماء والملوك والكبراء جاءت الفتاوى فيما يحلو لهم، وإذا كان الهوى مع العامة يريد أن يكون له شعبية، ويريد أن يكون له قاعدة، ويريد أن يكون له علو في الأرض جاءت الفتاوى بما يتفق مع أهواء الناس.

فهذه مشكلة، ولذلك أقول: الهوى مذموم، ومن كان خلافه جرياً مع الهوى فإنه يلام ولا يعذر، ولا يُتبع على قوله، وينكر عليه، هذا هو الفرق، فالذين يريدون أن يبحثوا عن الرخص ويتتبعوا الأسهل بحجة أن هناك مذاهب أخرى وأطيافاً -كما تسمى اليوم- فمثل هذا العبث والترقيق لهذه القضايا، وتمييعها وتضييعها أمر مرفوض، فالذي يأتي لمجتمع محافظ كهذا المرأة فيه تغطي وجهها ويقول: هناك مذاهب وأقوال أخرى في المسألة، وسعوا مدارككم، لماذا تبقون مع قول أصحاب الفتاوى الصحراوية؟ نقول له: لا، وألف لا، هذا متبع للهوى، ينبغي أن يوقف عند حده، الذي يأتي للناس ويقول: افتحوا الذرائع، لماذا نفتح الذرائع؟ للفساد!، للشر!، سد الذرائع أصل من أصول الشريعة.

وهناك من يقول: ما بين نجد والأندلس أطياف ومدارس، فهؤلاء يحرمون الموسيقى، وأولائك يحلون الموسيقى، هؤلاء يفتون بناء على بيئتهم الصحراوية بأن الموسيقى حرام، وأن الاختلاط حرام، وأن كشف الوجه حرام، لكن الذين يكونون قريبين من النيل تختلف فتاواهم، وكلهم من رسول الله مقتبسون، لا تستطيع أن تقول هؤلاء على ضلال، أو هؤلاء على ضلال، وينشر في مجلة في ملاحق، ويُذكر على أنه من قبيل التنظير، ويتلقفه بعض الجهلة، ويقيمون فيه دورات ويقتاتون عليه، ويأخذون أموال الناس تحت مسمى سعة الأفق، وفقه النظر في الخلاف والتعامل معه، هذه مصيبة.

فأقول: لاحظوا هناك شعرة بين متبع الحق، وبين متبع الهوى في هذا الباب، أنا ممكن أقول هذا الكلام: لا تفزع إذا سمعت قائلاً يقول: إن المبيت في مزدلفة سنة مثلاً، أو أنه يجوز الرمي قبل الزوال مثلاً، أو نحو ذلك، قال بهذا أئمة من قديم الزمان، لكن لما تكون القضية المبرر لها هو تتبع الرخص، والحجة هي التسهيل على الناس فقط دون مستند من كتاب أو سنة أو إجماع فإن ذلك لا يصح، ولا يجوز الالتفات إليه، من الخطأ أن يقف الإنسان عند فتوى سمعها لا يتجاوز هذه الفتوى، ولا يقبل أن يسمع أخرى في نفس الموضوع، ولكن جعل الله لكل شيء قدراً، العامي الذي لم يسمع إلا بهذا منذ ولدته أمه من الخطأ أن تزعزع هذه المفاهيم التي ولد وهو يسمعها، فيكون ذلك شكاً في الأصول الكبار من أصول الدين، يقول: ما بقي شيء، كل شيء الآن عندكم تغير في هذا الزمان، كل الذي كنا نسمع وعرفنا عليه الأمر وسمعناه من الشيوخ منذ قديم الزمان كل ذلك ذهب وأصبح عندكم الحكم بخلافه.

فهذه قضية يجب أن تنضبط، وأن نعرف كيف نتعامل مع مثل هذه الأشياء، فلا ننساق مع الأهواء وتتبع الرخص، ولا يكون الإنسان أيضاً ضيق العَطَن، ضيق الأفق، يدور مع شيء سمعه، ولم يسمع بأشياء مما قد يكون أرجح من القول الذي عرفه.

وكما ترون، فقد يتكلم بنفس الكلام مريد للهوى، نفس الكلام، وقد يقوله إنسان آخر لا يريد أن يصل إلى هذا المعنى، وكم من كلمة يقولها الإنسان ويريد بها الباطل، يريد أن يصل إلى الإباحية المطلقة تحت مسمى التعلق بالشريعة، وعلى وفق الشريعة، وعلى مقتضى الشريعة، وعلى حسب الشريعة الإسلامية.

على كل حال قد استرسلنا في الكلام على هذا عند ذكر عطاء -رحمه الله، هو من أئمة التابعين الكبار، وكان قد عاش ثمانين سنة، وحج كثيراً، عشرات الحِجج، وتوفي سنة مائة وأربع عشرة للهجرة، وقيل مائة وخمس عشرة للهجرة.

سؤال عن حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- عندما سألت النبي ﷺ عن الحجاب فقال لها: يرخينه شبراً، فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن يا رسول الله، فقال: يرخينه ذراعاً ولا يزدن[2].

السؤال: هل لو اكتفت المرأة بلبس الشراب السميك الذي يغطي الأقدام ويسترها يكفي عن إطالة العباءة حتى لا يصلها النجاسات في الشارع، بحيث تكون إلى ما بعد الكعبين، لكن لا تصل إلى الأرض؟

نقول: لا، ليس لها أن تلبس عباءة إلى الكعبين، وذلك أن هذا الشراب يلصق برجلها، وما أدراكم؟ فهناك أقوام -لاسيما الأمم الشرقية الآن- القدم عندهم قضية من قضايا الجمال، وتجد أنهم يستميتون في تصغير أقدام النساء، وتحب المرأة أن تكون قدمها صغيرة، أما رأيتم هذا في المستشفيات؟

يمكن أن يعملوا لها عمليات تجميل، يقطعوا الأصابع، المهم أن تبقى تلبس حذاء صغيراً جداً تتثنى فيه أصابعها لتبدو القدم صغيرة.

أنت قد لا تتصور أذواق الناس، هل تعلمون أن الصينيين إذا نظروا إلينا ضحكوا، تدرون لماذا؟ هم يرون أننا نتشابه، ويستغربون كيف يفرق بعضُنا البعضَ الآخر، -ونحن لا نتشابه، وقد رأينا هذا في الجامعة الإسلامية، طلاب عند المسجد النبوي، يقول: أهلاً يا شيخ إبراهيم، ويعانقك، يقول لك: أنت تشبهه تماماً، ثم إذا اكتشفت من هو هذا الشيخ إبراهيم فإذا بينك وبينه بعد المشرقين.

ونحن نقول لهم أنتم تتشابهون، وهم يقولون: ليس بيننا شبه، وأنا أستغرب كيف يعرفون المجرم؟!.

فأذواق الناس تختلف تماماًَ، من الناس من تتحرك غريزته بالرائحة، ومنهم بالصوت، ومنهم بجرس الكلام، ومنهم من يكون بالبدن، ومنهم بالوجه، ومنهم بغير ذلك، فكل إنسان له ذوقه في الجمال ونظرته الخاصة، وقد كتب في هذا كاتبون، وذكروا وعبروا فيه عما يرونه هم من مواصفات الجمال، فبعضهم يستهويه حجم المرأة فقط وهيئتها، بغض النظر عن شيء آخر، وبعضهم الذي يستهويه هو وجهها وحسنها، ومنهم من يستهويه أمور أخرى.

فليس للمرأة أن تلبس عباءة إلى الكعبين، فإن هذا الجورب يصف حجم رجلها، ويعلق به، ويلصق به، وبالتالي لا يكون ذلك ستراً وحجاباً، وإنما المقصود أن تغطي أقدامها، فلا تُرى هذه الأقدام طويلة أو قصيرة.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

  1. أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب فضل من يصرع من الريح (5/ 2140)، رقم: (5328)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها (4/ 1994)، رقم: (2576).
  2. أخرجه الترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في جر ذيول النساء (4/ 223)، رقم: (1731)، والنسائي، كتاب الزينة، باب ذيول النساء (8/ 209)، رقم: (5336).

مواد ذات صلة