الأربعاء 15 / شوّال / 1445 - 24 / أبريل 2024
[1] من قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} الآية 1 إلى قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} الآية 7
تاريخ النشر: ٢٦ / ذو الحجة / ١٤٢٩
التحميل: 4224
مرات الإستماع: 16032

بسم الله الرحمن الرحيم

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ۝ وَالَّذِينَ هُم ْعَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون َ۝ وَالَّذِينَ همْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ۝ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالدُونَ [سورة المؤمنون:1-11].

قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ أي: قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف.

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: خَاشِعُونَخائفون ساكنون. وكذا روي عن مجاهد، والحسن، وقتادة، والزهري.

وعن علي بن أبي طالب : الخشوع: خشوع القلب، وكذا قال إبراهيم النخعي.

وقال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا الجناح.

والخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين، كما قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي، عن أنس عن رسول الله ﷺ أنه قال: حُبب إلي الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة[1].

قوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَالخشوع سبق الكلام عليه مفصلاً في الأعمال القلبية، وذكرت هناك أن من السلف من فسر الخشوع بجزء معناه، أن بعضهم فسره ببعض آثاره ومقتضياته كالذي يقول: سكون الجوارح فهذه من آثار الخشوع، وبعضهم يفسر الخشوع بسببه.

وعلى كل حال لا شك أن الخشوع منبعه ومصدره ومنشؤه من القلب، تلك الخشية التي تنبعث وتظهر آثارها على الجوارح، فيظهر التواضع والسكون ولهذا فإن بعضهم يفسر الخشوع بالسكون، وبعضهم يقول: هو التواضع، ومنه قوله -تبارك وتعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ... [سورة فصلت:39]، فالأرض الخاشعة هي الهامدة التي لم تتحرك بالنبات ولم تربُ، فإذا أنزل عليها المطر اهتزت، وتحركت بالنبات وارتفعت سواءً كان هذا الارتفاع في نفس التربة لما يوجد من تحرك النبات في داخلها لتنشق عن مسمار النبات، أو كان ذلك بارتفاع النبات فيكون ذلك ارتفاعاً في الأرض.

ومعنى "أفلح" أي: ظفر بالمطلوب ونجا من المرهوب، ويطلق الفلاح على البقاء الأبدي السرمدي، وعليه يكون المعنى في قول الشاعر:

لو أنّ عبداً مُدرِكُ الفلاحِ لناله مُلاعِبُ الرماحِ

فركوب الأخطار لا يقدم الأجل، ومن دخل الجنة فإنه حصل له الأمران، يكون قد ظفر بالمطلوب ونجا من المرهوب، وحصل له البقاء الأبدي السرمدي.

وأول وصف ذكره الله –تبارك وتعالى: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [سورة المؤمنون:2]، وهذا يقتضي أنهم بالضرورة يحافظون عليها، فالذي لا يصلي لا يكون قد حقق الخشوع، ولا يكون مفلحا.

وقد بدأ بصفات المفلحين فيما يتصل بالصلاة، وختم بذكر الصلاة فقال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [سورة المؤمنون:9].

وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [سورة المؤمنون:3]، أي: عن الباطل، وهو يشمل: الشرك -كما قاله بعضهم- والمعاصي -كما قاله آخرون- وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال.

هذا من تفسير اللغو بأعم معانيه، وهذا أحسن من أن يحصر بمعنى خاص، والسلف قد يذكرون بعض الصور والأمثلة ولا يقصدون بها الحصر، فكل ما لا يحبه الله ولا يرضاه من العبد، وكل تضييع وتفريط وكل ما أشغل عن ذكر الله فهو من اللغو، فيدخل في ذلك أمور كثيرة جداً من التضييع والتفريط، منها: سماع المعازف والأغاني، ومجالس الغيبة، والمجالس التي تضيع فيها الأوقات بلا طائل ويخوض فيها الخائضون فيما يعنيهم وما لا يعنيهم، وكل ما لا يحبه الله تعالى داخل في هذا.

وهذا الذي ذكره ابن جرير -رحمه الله- ولا يختص ذلك بلون من الباطل، والله أعلم.

كما قال تعالى: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [سورة الفرقان:72]، قال قتادة: أتاهم واللهِ من أمر الله ما وقفهم عن ذلك.

هكذا قالوا أيضاً في قوله: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [سورة الفرقان:72] يدخل فيه شهادة الزور المعروفة، ويدخل فيه حضور مواطن الباطل، فلا يحضر أعياد المشركين ولا يحضر الأماكن التي فيها منكرات.

وقد جعل الله -تبارك وتعالى- الإعراض عن اللغو من أسباب الفلاح مع أن الناس يتهاونون في هذا كثيراً، حتى بعض من ينتسب للعلم أو الخير، وينبغي للإنسان أن يرفع نفسه عن ذلك.

وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [سورة المؤمنون:4] الأكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية: وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [سورة الأنعام:141].

وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا: زكاة النفس من الشرك والدنس، كقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [سورة الشمس:9، 10].

وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال؛ فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا، والله أعلم.

قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [سورة المؤمنون:4] هذه السورة مكية بالاتفاق، والعلماء -رحمهم الله- تجد بعضهم إذا مر بموضع كهذا فإنه قد يلجأ إلى تأويل الآية.

والأصل أن الحكم بأن الآية نازلة بمكة أو المدينة مبني على النقل ممن شاهدوا التنزيل وحضروه، لا بناءً على المعنى، فعندما يقول قائل: إن الآية التي يذكر فيها النفاق نازلة في المدينة، والآية التي يذكر فيها اليهود كذلك مدنية.

فنقول: لا حاجة لمثل هذا فالآية قد تنزل قبل تقرير الحكم.

وقد يكون معنى الآية غير ما ذكر أو غير ما توهمه هذا القائل، فهذا في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، فمن نظر إلى أن السورة مكية ويرى أن الزكاة -كما هو مشهور- لم تفرض إلا في المدينة يقول: المقصود بالزكاة هنا زكاة النفوس، أو يلجأ إلى القول بأن هذه الآية مستثناة وأنها نازلة في المدينة، ولا ضرورة لهذا، فيمكن أن يقال بأن الآية مكية والأصل أن جميع الآيات في السور المكية مكية، إلا بدليل.

فقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ الأقرب أن الزكاة فرض أصلها في مكة، ولكن التفاصيل المتعلقة بها في أنواع الأموال نزلت بالمدينة، فسورة الأنعام نازلة بمكة، وقد جاءت روايات كثيرة على أن سورة الأنعام نزلت جملة واحدة، ومع ذلك تجد من يقول في قوله -تبارك وتعالى- في سورة الأنعام: وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [سورة الأنعام:141] إن هذه مدنية باعتبار أن الزكاة فرضت بالمدينة، ولا حاجة لهذا، فهذه الآية مكية كغيرها من آيات السورة.

وقد قرن الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية بين الصلاة الزكاة، وهذا دليل على أن الزكاة هنا المقصود بها زكاة الأموال، قال : الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [سورة المؤمنون:2-4].

وإذا قلنا بأن الزكاة ليس معناها زكاة المال وإنما تزكية النفوس بالإيمان والعمل الصالح سيكون هذا بالنسبة لما قبله وما بعده من قبيل التكرار، والتأسيس مقدم على التوكيد، فكون المعنى يؤسس أو اللفظة تؤسس معنىً جديداً أولى من أن يكون هذا من قبيل تحصيل الحاصل، فهذه الأشياء المذكورة جميعاً في هذه الأوصاف هي من قبيل تزكية النفوس من الإيمان والعمل الصالح، فكيف يقال: إن قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [سورة المؤمنون:4]، المقصود به تزكية النفوس؟ وعلى كل حال هذه الآية تحتمل المعنيين، وحمْلُها على زكاة المال هو الأقرب.

وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:5-7]، أي: والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري، ومَن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:6، 7]، أي: غير الأزواج والإماء فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:7]، أي: المعتدون.

قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ [سورة المؤمنون:5، 6]، لم يقل الله -تبارك وتعالى- إلا عن أزواجهم، فعدي بعلى، وأهل الكوفة يقولون: يتضمن الحرفُ معنى الحرف فيقولون: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أي: إن على مضمن معنى عن.

ومن يقول بتضمين الفعل وما في معناه يقول: إن قوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ، حافظون مضمن معنى ممسكون عما حرم الله –تبارك وتعالى- أو قاصرون، فقاصرون، وممسكون يصح أن يعدى بعلى.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى: "علق سبحانه فلاح العبد على حفظ فرجه منه فلا سبيل له إلى الفلاح بدونه، وهذا يتضمن ثلاثة أمور: أن من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين وأنه من الملومين، ومن العادين، ففاته الفلاح واستحق اسم العدوان ووقع في اللوم، فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها أيسر من بعض ذلك"[2].

وقال الشنقيطي -رحمه الله تعالى: "ذكر -جل وعلا- في هذه الآيات الكريمة أن من صفات المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها حِفظَهم لفروجهم، أي: من اللواط والزنا ونحو ذلك، وبين أن حفظهم فروجهم لا يلزمهم عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بعقد الزواج أو بملك اليمن، والمراد به التمتع بالسراري، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن زوجه أو سريته لا لوم عليه، وأن من ابتغى تمتعاً بفرجه وراء ذلك غير الأزواج.....

المسألة الثالثة: اعلم أنه لا شك في أن آية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [سورة المؤمنون:1] هذه التي هي فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:7] تدل بعمومها على منع الاستمناء باليد، المعروف بجلد عُميرة، ويقال له الخضخضة، لأن من تلذذ بيده حتى أنزل منيه بذلك قد ابتغي وراء ما أحله الله فهو من العادين، بنص هذه الآية الكريمة المذكورة هنا، وفي سورة سَأَلَ سَائِلٌ وقد ذكر ابن كثير: أن الشافعي ومن تبعه استدلوا بهذه الآية على منع الاستمناء باليد.

وقال القرطبي: قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز، قال: سألت مالكاً عن الرجل يجلد عُميرة، فتلا هذه الآية: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [سورة المؤمنون:5] إلى قوله: الْعَادُونَ.

قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن استدلال مالك، والشافعي، وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن ولم يرد شيء يعارضه من كتاب ولا سنة.

وما روي عن الإمام أحمد -مع علمه وجلالته وورعه- من إباحة جلد عميرة مستدلاً على ذلك بالقياس قائلاً: هو إخراج فضلة من البدن تدعو الضرورة إلى إخراجها، فجاز قياساً على الفصد والحجامة".

كلام الإمام أحمد كما هو مشهور فيما ينقله بعض أهل العلم عنه ليس بهذا الإطلاق، فالإمام أحمد يقيد ذلك بحالة الضرورة أنه إذا كان يتضرر يعني وصل إلى حد الضرورة، فالضرورات تباح عندها المحظورات.

"كما قال في ذلك بعض الشعراء:

إِذَا حَلَلْتَ بِوَادٍ لَا أَنِيسَ بِهِ فَاجْلِدْ عُمِيرَةَ لَا عَارٌ وَلَا حَرَجُ

فهو خلاف الصواب وإن كان قائله في المنزلة المعروفة التي هو بها؛ لأنه قياس يخالف ظاهر عموم القرآن، والقياس إن كان كذلك رد بالقادح المسمى فساد الاعتبار كما أوضحناه في هذا الكتاب المبارك مراراً وذكرنا فيه قول صاحب مراقي السعود:

وَالْخُلْفُ لِلنَّصِّ أَوْ إِجْمَاعٌ دَعَا فَسَادَ الِاعْتِبَارِ كُلُّ مَنْ وَعَى

فالله -جل وعلا- قال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [سورة المؤمنون:5] ولم يستثن من ذلك ألبته إلا النوعين المذكورين في قوله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [سورة المؤمنون:6]، وصرح برفع الملامة في عدم حفظ الفرج عن الزوجة والمملوكة فقط، ثم جاء بصيغة عامة شاملة لغير النوعين المذكورين دالة على المنع هي قوله: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:7] وهذا العموم لا شك أنه يتناول بظاهره ناكح يده، وظاهر عموم القرآن لا يجوز العدول عنه إلا بدليل من كتاب أو سنة يجب الرجوع إليه، أما القياس المخالف له فهو فاسد الاعتبار كما أوضحنا، والعلم عند الله تعالى".

يعني لا يقاس هذا على الحجامة -إخراج فضلة من الدم- فليس كالدم الفاسد، والحجامة لا يحصل بها تلذذ، كما أن هذا المني الذي يخرجه الإنسان في الواقع هو ليس بشيء موجود ومجتمع في الإنسان فيحتاج إلى أن يخرجه حيناً بعد حين، وإنما هذا كما هو معلوم عبارة عن إفرازات توجد حينما يوجد مقتضاها، تتحرك الشهوة فتبدأ هذه الأشياء، ليست أشياء تجتمع وموجودة فبعد مدة يحتاج الإنسان إلى أن يستفرغها كما يحصل بالحجامة والفصد أو قطع العرق، يخرج الدم.

"وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية بعد أن ذكر بعض من حرم جلد عُميرة واستدلالهم بالآية ما نصه: وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفة في جزئه المشهور حيث قال: حدثني علي بن ثابت الجذري عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين..........[3].

ذكر في نوادر المغفلين أن مغفلاً كانت أمه تملك جارية تسمى عُميرة فضربتها مرة، فصاحت الجارية فسمع القوم صياحها فجاءوا، وقالوا ما هذا الصياح؟ فقال لهم ذلك المغفل: لا بأس، تلك أمي كانت تجلد عميرة[4]".

  1. رواه النسائي، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء (7/61)، برقم: (3939)، وأحمد (19/305)، برقم: (12293).
  2. الجواب الكافي (1/105).
  3. شعب الإيمان (7/329)، برقم: (5087).
  4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (5 /308-318).

مواد ذات صلة